مَنْ مِنّا لا يريد الهدوء، ولا يرغب في بلوغه، والبعْد عن الضجيج المادي والمعنوي. فالهدوء مقصد كثير من الناس، ووجهة مطلبهم.
والهدوء لا يُقاس بقلة الكلام، بل بقدرتك على ألَّا تنجرف مع كل حدث، وألَّا تُستهلك في كل جدال، وألَّا تُشتّت ذاتك فيما لا يستحق.
في كثير من الأحيان نجد أنفسنا وقد زُجَّتْ عقولنا في صراعاتٍ لا تثمر إلَّا توتراً، ولا تفرز إلَّا قلقاً، ولا تنتهي إلَّا بعد أجهزتْ على قوانا، فلا انتصرنا، ولا ادّخرنا قدرتنا فيما يعود علينا بالنفع والفائدة.
وبعد أن نفرغ من هذه الصراعات، وتُنْهك قوتنا؛ نهرع إلى الضفة الأخرى من الحياة، حيث الهدوء والسكينة، ونلوذ إلى كل ما يُقرّبنا من سيرتنا الأولى.
وهكذا نجد أنفسنا في سيناريو متكرر، ومشهد يُعاد بثّه داخل أدمغتنا، ونظلُّ بين كرٍّ وفرٍّ لاستنزاف مواردنا وقدراتنا.
ويبدو أننا بحاجةٍ إلى إعادة صياغة عقولنا؛ لدفعْها نحو السلام، وترجيح راحة البال على الانتصار في كل معركةٍ نخوضها.
ولا يدرك تلك الحاجة إلَّا من رُزِقَ الحكمة من نعمة الهدوء، ومُنِحَ البصيرة في الابتعاد عن الضجيج، وأدرك أنّ المعنى يتجلّى على ضفاف السكينة.
ويمكن القول أن من أفضل من فصَّلَ الحديث عن الهدوء، كتاب “كيمياء الهدوء” للدكتور والطبيب النفسي هنري إيمونز، الذي تقوم فكرته الأساسية على أن الهدوء ليس مجرد غياب للتوتر، أو حالة سكون مؤقتة، بل هو كيمياء داخلية، وحالة بيولوجية يمكن بناؤها داخل الجسد والعقل. إنه عودة إلى ذاتنا العميقة بعيداً عن ضجيج العالم وضغوطه.
ويذكر المؤلف أن الهدوء فن إبداعي، وفهْم عميق للذات، وليس هروباً من الواقع، بل عودة إلى حقيقتنا الأصيلة، حيث نلتقي بذواتنا بلا ضغوط أو أوهام.
فالهدوء هو أعمق تجلٍ من تجليات الوعي.
إنه -حسب وجهة المؤلف- رحلة ووعي يقودان صاحبه إلى التوازن والسلام الداخلي وسط صخب الحياة.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي