يبدو أن الحياة التي رافقتنا في طفولتنا، واحتضنتها شقاوة أحلامنا، وقرأنا عنها في الروايات، وقصص الحالمين، وتَلّفحنا أقدارها بين الفينة والأخرى، ليست نفسها التي نعيشها واقعاً، قد جاءت بخلاف ما تعشَّمتْ به نفوسنا، بل ليست ذات الحياة التي كُنَّا نُمَنّي النفس بها.
والبون شاسع بينهما؛ وكأن الحياة تُعاقِب فينا أحلامنا الغضّة، وأمانينا العذْبة؛لأننا لم نُحسِّن الإصغاء، ولم نستمع لصوتها وهي تصرخ؛ لتحشو عقولنا بدرسها الأول: “ليست الحياة دوماً كما نريد”
وأمسى ذلك الحالِم بحياةٍ هانئةٍ مُبْهِجة، وكأنه يسير في دَربٍ مُكْتَظٍّ بِخُطوطٍ تُنسَجُ مِن الفوضى؛ يَمضي وحيداً، يَبحَثُ عن ضوءٍ يُخَفِّفُ عَناء عَبورِه.
وغدتْ حياةُ ذلك الحالِم زحْفاً، وبحْثاً عن ذلك الضوء؛ يُخْرجُه من عتْمة الأنفاق المظلمة؛ لتنير عقله بما خفي عليه؛ فأصبحتْ حياته كلها بحْثاً عنه، واقتراباً منه دون أن يُدرك مراده، أو أن يصل إلى مُبْتَغاه.
وحتى يعيش الإنسان حياته بقلبٍ يَتخفف من أوزار أحداثها، ويتحرر من التعلُّق بتتبُّع سرابها؛ عليه أن يعي أنه كائنٌ رُوحيٌّ،يعيشُ تجربةً بشرية بكل ما فيها من خير وشر.
وهذا الوعي سيكون لصاحبه بمثابة النور ذاته الذي يبحثه عنه، ويطارده في سراديب الحياة، وفي باطن أخاديدها.
ومتى ما كان هذا الوعي متصلاً بمصادر التَّلقْي الأولى التي تمدُّ حبالها للسموات عبر حُسْن وصدق العبادة، والإكْثار من الذكر والاستغفار؛ كان أكثر قُرْبَاً للتشافي والتطهُّر من الأدران التي لحقتْ بالعقل والقلب معاً.
كذلك على الإنسان أن يُعْمل عقله على تَقبُّل الحياة بكل تقلباتها، وأن يدرك أنه ليس بالضرورة أن يكون بكامِل جاهزيته كل يوم، بقَدر ما يكون بكامِل مرونته لكل ما سيحدث، في الوقت الذي يتسلَّح بمهارة حياتية، وهي مهارة القدرة على البقاء في مزاجٍّ رائع حتى في غياب الأسباب التي تدعو لذلك.
كذلك على الإنسان أن يتفَهمَّ أنه لابد من وجود هامشّ للخطأ، وأن ليس كل ما نخطط له، ونحلم به نحققه، فهناك رحمة خفيّة في المنْع الذي حال بيننا وبين أهدافنا.
ورغم كل الصعاب التي تواجهنا في حياتنا، يمكننا مصافحة أيامنا بيقينٍ عقلاني، فقد لا يكون كُلِّ يومٍ في حياتنا جيداً،لكن ثَمَّةَ جمالٍ موجود في كُلِّ يوم.
وعلينا العمل على تَلمُّس ذلك الجَمال.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي