الدرس الأول في الحياة!

يبدو أن الحياة التي رافقتنا في طفولتنا، واحتضنتها شقاوة أحلامنا، وقرأنا عنها في الروايات، وقصص الحالمين، وتَلّفحنا أقدارها بين الفينة والأخرى، ليست نفسها التي نعيشها واقعاً، قد جاءت بخلاف ما تعشَّمتْ به نفوسنا، بل ليست ذات الحياة التي كُنَّا نُمَنّي النفس بها.
والبون شاسع بينهما؛ وكأن الحياة تُعاقِب فينا أحلامنا الغضّة، وأمانينا العذْبة؛لأننا لم نُحسِّن الإصغاء، ولم نستمع لصوتها وهي تصرخ؛ لتحشو عقولنا بدرسها الأول: “ليست الحياة دوماً كما نريد”
وأمسى ذلك الحالِم بحياةٍ هانئةٍ مُبْهِجة، وكأنه ‏يسير في دَربٍ مُكْتَظٍّ بِخُطوطٍ تُنسَجُ مِن الفوضى؛ يَمضي وحيداً، يَبحَثُ عن ضوءٍ يُخَفِّفُ عَناء عَبورِه.
وغدتْ حياةُ ذلك الحالِم زحْفاً، وبحْثاً عن ذلك الضوء؛ يُخْرجُه من عتْمة الأنفاق المظلمة؛ لتنير عقله بما خفي عليه؛ فأصبحتْ حياته كلها بحْثاً عنه، واقتراباً منه دون أن يُدرك مراده، أو أن يصل إلى مُبْتَغاه.
وحتى يعيش الإنسان حياته بقلبٍ يَتخفف من أوزار أحداثها، ويتحرر من التعلُّق بتتبُّع سرابها؛ عليه أن يعي أنه كائنٌ رُوحيٌّ،يعيشُ تجربةً بشرية بكل ما فيها من خير وشر.
وهذا الوعي سيكون لصاحبه بمثابة النور ذاته الذي يبحثه عنه، ويطارده في سراديب الحياة، وفي باطن أخاديدها.
ومتى ما كان هذا الوعي متصلاً بمصادر التَّلقْي الأولى التي تمدُّ حبالها للسموات عبر حُسْن وصدق العبادة، والإكْثار من الذكر والاستغفار؛ كان أكثر قُرْبَاً للتشافي والتطهُّر من الأدران التي لحقتْ بالعقل والقلب معاً.
كذلك على الإنسان أن يُعْمل عقله على تَقبُّل الحياة بكل تقلباتها، وأن يدرك أنه ليس بالضرورة أن يكون بكامِل جاهزيته كل يوم، بقَدر ما يكون بكامِل مرونته لكل ما سيحدث، في الوقت الذي يتسلَّح بمهارة حياتية، ‏وهي مهارة القدرة على البقاء في مزاجٍّ رائع حتى في غياب الأسباب التي تدعو لذلك.
كذلك على الإنسان أن يتفَهمَّ أنه لابد من وجود هامشّ للخطأ، وأن ليس كل ما نخطط له، ونحلم به نحققه، فهناك رحمة خفيّة في المنْع الذي حال بيننا وبين أهدافنا.
ورغم كل الصعاب التي تواجهنا في حياتنا، يمكننا مصافحة أيامنا بيقينٍ عقلاني،‏ فقد لا يكون كُلِّ يومٍ في حياتنا جيداً،لكن ثَمَّةَ جمالٍ موجود في كُلِّ يوم.
وعلينا العمل على تَلمُّس ذلك الجَمال.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

7 تعليق على “الدرس الأول في الحياة!

أحمد بن مهنا

وقد اختصر لنا النبي عليه الصلاة والسلام كثيرا من طرق توعية النفس ..في الأدعية والتوجيه أمرا ونهيا ..
مثلا قوله صلى الله عليه وسلم لرجل ( قل اللهم إني أسألُكَ نَفْسًا مطمئنةً، تُؤْمِنُ بلِقائِكَ، وتَرْضَى بقضائِكَ، وتَقْنَعُ بعَطائِكَ) .. ونجد كثيرا من هذا في الأحاديث . شكرا لكم أ. سليمان ماتكتبونه ثمين.

سليمان مُسْلِم البلادي

الإسلام رسم للإنسان خارطة طريق واضحة المعالم
من اتبعها؛وصل،ومن زهد فيها؛ضلّ.
‏﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴾

نويفعه الصحفي

الحياة لا تأتي دائمًا كما نتمنى وغالبًا تختلف عن أحلامنا الطفولية لكن في صبرنا ووعيِنا بمشيئة الله يكمن سر السلام الداخلي. قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}
وقد وبيّن رسول الله صل الله عليه وسلم في الحديث : «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ».
فالتجارب حتى الصعبة منها تحمل في طياتها دروسًا وثمارًا للروح وما نظنه منعًا قد يكون رحمة خفية وما نراه عثرة قد يكون سبيلًا للنضج.
من يتصل بروحه بالله ويكثر من الذكر والاستغفار يجد النور الذي يخفف عثرات الحياة مهما كانت صعبة ويستطيع أن يرى الجمال في كل يوم مهما كثرت المصاعب.

فكر واعٍ وقلم من نور شكراً لك

سليمان مُسْلِم البلادي

بالفعل،خُلقتْ الحياة على كدر.
وعلينا ترويض وتهذيب أنفسنا للتعامل معها وفق هذا التصور.

Wafaa Alharbi

جزاك الله خير

د. فيصل الصحفي

نص يفيض وعياً وعمقاً …..
و يلامس جوهر التجربة الإنسانية بصدق وتأملٍ راق …..
كتبه المستشار بعقل يعي
وفكر يرى الحياة ….

ببصيرةٍ تتجاوز ظاهرها إلى معناها الأصيل..

سليمان مُسْلِم البلادي

وافر الشكر والتقدير دكتور فيصل الصحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *