في مسيرة الإنسان اليومية، تتقاطع صفاته الفطرية مع السلوكيات المكتسبة التي يكتسبها من بيئته الاجتماعية، فيظهر التساؤل الأزلي: هل يغلب الطبع أم التطبع؟
سؤال يتجدد في كل مرحلة من مراحل الحياة، إذ يحاول الفرد الموازنة بين ما فُطر عليه وما يحاول أن يتطبّع به استجابةً للظروف أو انسجامًا مع الآخرين.
يُعرّف الطبع بأنه السلوك الثابت المتأصل في النفس، الذي يصدر عن الإنسان تلقائيًا دون تكلف أو تصنّع، وهو ما يشكّل بصمته الأخلاقية والإنسانية منذ نشأته. أما التطبع فهو سلوك مكتسب يحاول الإنسان من خلاله التكيّف مع محيطه أو تحقيق القبول لدى الآخرين، فيتقمص صفات ليست من طبيعته الأصلية.
ومع مرور الوقت، يُظهر الواقع أن الطبع هو الأثبت والأقوى؛ إذ لا يلبث المتطبع أن يعود إلى طبيعته الأولى متى زالت المؤثرات الخارجية أو خفت دوافع التصنع. لذلك يُقال إن التطبع مؤقت، أما الطبع فدائم، ومن حاول تغيير جوهره لأجل إرضاء الآخرين وجد نفسه في صراع داخلي بين ما هو عليه وما يحاول أن يبدو عليه.
الإنسان المتطبع يعيش حالة من التوتر النفسي الدائم، لأنه يوازن بين صورتين متناقضتين: حقيقته الداخلية، وما يحاول أن يظهر به أمام الناس. ومع تكرار هذا الجهد، يشعر بثقل نفسي يفقد معه راحته وثقته بنفسه. يبدأ التطبع بدافع البساطة أو المجاملة، ثم يتحول مع الوقت إلى عبء يصعب التخلص منه. ومع كل محاولة للحفاظ على الصورة التي رسمها، يبتعد أكثر عن ذاته، حتى يفقد ملامحها الأصلية.
وعندما تنكشف الحقيقة، لا تكون الصدمة في نظرة الآخرين فقط، بل في شعور المتطبع بأنه خسر نفسه قبل أن يخسرهم. ومن يتعامل معه هو الآخر يتأذى، لأنه بنى علاقة على سلوك ظنه طبعًا، ليكتشف لاحقًا أنه كان مجرّد تمثيل. عندها تتزعزع الثقة، ويبهت التواصل، لأن الأصل لم يكن حقيقيًا منذ البداية.
الصدق مع النفس لا يعني الجمود، بل يعني أن يتغيّر الإنسان بوعيٍ نابعٍ من داخله لا بضغط من محيطه. فالتوازن بين الأصالة والمرونة هو ما يمنح الشخصية ثباتها واتزانها دون أن تفقد حقيقتها.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل يمكن للإنسان أن يعيش طويلًا بدورٍ ليس دوره، أم أن الطبع سيعود دائمًا ليكشف ما حاولنا إخفاءه؟
مشاري الرحيلي
مقالات سابقة للكاتب