في علم النفس، هناك نظرية جميلة وعميقة تُسمّى نظرية الإدراك الذاتي، وضعها عالم النفس الاجتماعي ديريل بيم في ستينيات القرن الماضي.
تقول هذه النظرية إننا لا نكتشف مشاعرنا أولاً ثم نتصرف بناءً عليها، بل أننا -في كثير من الأحيان-نكتشف مشاعرنا من خلال تصرفاتنا.
بمعنى آخر، نحن نراقب أنفسنا كما نراقب الآخرين، وننظر إلى سلوكنا، ونستنتج منه ما نشعر به أو نؤمن به.
فحين تجد نفسك تساند شخصاً مراراً وتكراراً؛ يبدأ عقلك بالاستنتاج: “أنا أهتم به”
وحين تبتسم لشخص كل يوم؛ يترسّخ في داخلك شعورٌ بأنك تحبه؛ لأنك تتصرف كما لو أنك تحبه.
وحين تبذل جهدك في عملك؛ تبدأ بالإيمان بأهميته؛ لأنك تتصرّف كما لو أنه يستحق ذلك الجهد.
هذه النظرية تقلب الفكرة التقليدية رأساً على عقب. فبدل أن يكون الشعور هو الذي يقود الفعل، تقول لنا:
أحياناً، الفعل هو الذي يصنع الشعور.
كم مرة أخّرتَ شيئاً؛ لأنك “لم تكن تشعر بالحماس”؟
وكم مرة انتظرت أن “تؤمن بنفسك” قبل أن تخطو الخطوة الأولى؟
الحقيقة أن المشاعر لا تأتي دائماً قبل الأفعال، بل كثيراً ما تُولَد منها.
ابدأ العمل، وستشعر بالحماس.
تصرّفْ بثقة، وستبدأ بالإيمان بنفسك.
تصرّفْ كما لو أنك قادر، وسيبدأ عقلك بالتصديق.
في العلاقات، وفي العمل، وحتى في تطوير الذات، نحن لا نصل إلى القناعة قبل التجربة، بل بعدها؛ لأننا نتعلم من أفعالنا أكثر مما نتعلم من أفكارنا.
لا تنتظر أن يتغيّر شعورك لتبدأ، بل ابدأ أولاً، وسيتغيّر شعورك تبعاً لذلك.
افعل الشيء الصغير اليوم -حتى لو بلا دافع كبير- فربما يكون هذا الفعل البسيط هو البذرة الأولى لمشاعر عظيمة غداً.
أحياناً،لا نحتاج إلى أن نُقنع قلوبنا بشيء، بل أن نُدرّبها على الشعور به.
فالقلب يتعلَّم من الخطوات، لا من الانتظار.
ابدأ، ولو ببطء.
ابتسم، ولو بلا سبب.
تحرّك، ولو بثقل.
ففي تكرار الأفعال؛ تتفتح المشاعر.
وفي الاستمرار؛ يولد الإيمان.
إن الحياة لا تكشف لنا حقيقتها ونحن نفكر، بل ونحن نجرب اختياراتها، ونختبر ما خفي علينا.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي