يعاني سكان المنطقة العربية اليوم من وطأة الحر وبوارح القيظ، والموجات الحرارية الصيفية، واشتعال الرمال الذي أوقدت الشمس فيه نارها، وأذكت أوارها -ولقد من الله علينا بما قدمته لنا البشرية من آلات وأجهزة التبريد ومصانع الثلج – فحر بيضة الصيف وغرته مازالت تلفح الوجه فتنضج الجلود وتصهر الأجسام، والشمس تقتل بحرها ورمضائها من يتعرض للمشي.
وقدكان العرب في الصيف قديما ينزلون على الماء ولايفارقونه ولا يخافون أن يغزوا لشدة الحر لبعد تلك الصحارى حتى إذ ذهب انتجعوا.
وزَعَمُوا أَن الْعَرَب كَانُوا يملؤون بَيْضَ النَّعام مَاء فِي الشتَاء، ويَدْفِنونها فِي الفَلَوات الْبَعِيدَة من المَاء، فَإِذا سلكوها فِي القيظ اسْتَثارُوا البيضَ، وَشَرِبُوا مَا فِيهَا من المَاء.
وقد قيل لأعرابي: كيف تصنعون بالبادية إذا اشتد القيظ وانتعل كل شيء ظله؟ قال: وهل العيش إلا ذاك، يمشي أحدنا ميلا ليرفض عرقا، ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساه، ويجلس في قبة يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى، ويروى أنهم يضعون الأغطية على الشجر فتكون ظلا ومنزلا لهم.
وقد قالت العرب في الصيف (لا يطيب معه عيش ولا ينفع معه ثلج ولا خيش) فما هو الخيش؟ يحدثنا الطبري وياقوت في معجم الأدباء أنه كانت عادة الأكاسرة أن يطين سقف بيت في كل يوم صائف فتكون قيلولة الملك فيه وكان يؤتي بأطباق الخلاف (وهو صنف من الصفصاف طوالا فتوضع حول البيت ويؤتي بقطع الثلج الكبار فتوضع ما بين أضعافها. وكانت هذه عادة الأمويين أيضاً؛ ولكن في عهد المنصور العباسي اتخذت طريقة أخرى للتبريد فكانوا ينصبون الخيش الغليظ ولا يزالون يبلونه بالماء فيبرد.
وفي العصور المتأخرة قبل الثورة الصناعية فقد كان الناس ينامون فوق الأسطح وأعلى المنازل يبلون الفرش وينشرون الأغطية طلبا لبرودة المكان ولا ينامون تحت سقف، ولقد صبر الإنسان العربي على قسوة محيطه ولم يتضجر من عنف الحياة فيه، بل خلق من سيئاته حسنات، وكان سلاحة الصبر والإرادة.
اللهم ارحمنا مِن حر يوم القيامة، واجعلنا في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك.
هداي بن نفاع القرشي
مقالات سابقة للكاتب