في تاريخ إمبراطورية المَجَر نقطةٌ سوداء لن ينساها التاريخ المعاصر قط؛ إنَّها معركة مثيرة في أحداثها تسمَّى “معركة موهاج” وقعت أحداثُها في (21 من ذي القعدة 932 هـ)، وحتى يومنا هذا يَعتبر المجريُّون هزيمتهم في هذه المعركة شؤمًا عليهم وعارًا لا يمكن محوه من تاريخهم، على الرغم من انقضاء أكثر من 400 عام على هذه المعركة إلاَّ أن هناك مَثَلاً شائعًا لدى الهنجاريين يقول: “أسوأ من هزيمتنا في موهاكس”، ويُضرب عند التعرُّض لحظٍّ سيئ؛ تأثرًا بأحداث هذه المعركة.
وقعَت هذه المعركة بين السلطان “سليمان القانوني” الذي قاد جيشَ الدولة العثمانيَّة وقتها في مواجهة “لايوش الثاني” (لويس الثاني) مَلِك المجَر.
تحرَّك السلطان “سليمان القانوني” بنفسه على رأس جيشه الذي كان مؤلَّفًا من نحو مائة ألف جنديٍّ، وثلاثمائة مدفع، وثمانمائة سفينة، حيث وصل بلجراد وسارع بالاستيلاء على قَلْعة “بترفارادين” بعد مقاومة 13 يومًا، ثمَّ تمكَّن من عبور نهر (الدانوب) بسهولةٍ ويُسْر بفضل الجسور الكبيرة التي تمَّ تشييدها، وبعد أن افتتح الجيشُ العثماني عدَّة قلاعٍ حربيَّة على نهر الدانوب وصل إلى “وادي موهاكس” بعد 128 يومًا من خروج الحملة.
وفي يوم اللِّقاء الموافق (21 من ذي القعدة 932 هـ) هجم المجريُّون على الجيش العثماني الذي اصطفَّ على ثلاثة صفوف، وكان السلطان ومعه إبراهيم باشا الصدر الأعظم ومعهم مدافعهم الجبَّارة، وجنودهم من الإنكشاريِّين الصاعقة في الصفِّ الثالث، فلمَّا هجم فُرسان المجَر وكانوا مشهورين بالبسالة والإقدام أمر إبراهيم صفوفَه الأولى بالتقَهْقر حتى يندفع المجريُّون إلى الداخل، حتى إذا وصلوا قريبًا من المدافع، أمر الوزير إبراهيم بإطلاق نيرانها عليهم فحصدتهم حصدًا، وقام المسلمون بقَتْل قوات الجيش المجرِي التي انسحبَت مرغمةً؛ حيث اضطرتهم جموعُ الجيش العثماني إلى ناحية المستنقَع الذي سقط فيه جزءٌ كبير من الجيش ليموت غرقًا.
استمرَّت المعركة ساعةً ونصفًا فقط، تمَّ فيها تدمير الخيَّالة المجريَّة المدرَّعة التي تعرضَت لقصف 300 مدفع عثماني دفعةً واحدة، وفي نهاية المعركة غرق الملك لايوش الثاني و7 أساقفة وجميع قَادة الجيش الكِبار في المستنقع؛ حيث لم يَنْج منهم أحد، وأَسر المسلمون بقيَّة الجيش، وهم 25000 جنديٍّ تبقوا فقط من مائتي ألفِ جندي.
وفي مثل هذا اليوم (3 من ذي الحجة 932 هـ) تحرَّك السلطان “سليمان القانوني” بعد هذه المعركة إلى بودابست عاصمة المجَر، فدخلها فاتحًا؛ حيث عيَّن ملكًا تابعًا له على المجَر، وجعلها ضمن أملاك الإمبراطورية العثمانيَّة.
وترتَّب على هذه الحملة ضياع استقلال المجَر بعد ضياع جيشها على هذه الصورة في هزيمةٍ مروِّعة، وعاد السلطان “سليمان القانوني” إلى إستانبول كـ”فاتح المجر”؛ حيث تبدَّل الميزان تمامًا بعدها في أوروبا الوسطى لصالح الإمبراطوريَّة العثمانيَّة، ووصلَت الحدودُ العثمانيَّة إلى النمسا وتشيكوسلوفاكيا، ولم يعد لها منازِع في عهد سلطانها الأبرز “سليمان القانوني”.