لو نظرت في كل الخصال الجميلة بإمعان لوجدت أن للأطفال منها نصيب الأسد، فعندما تتحدث عن الصدق تعرف أن ليس هناك طفلًا يكذب، بل ترى الكاذب يخاف من صدق الأطفال أن يفضحه، وجمالية صدقهم تكمن في عفويتهم، وهم صادقون دون أن نعلمهم أو نكتب لهم عبارات عن الصدق ودون أن نلقي عليهم محاضرات، وبعض الكبار لا يتوانون عن الكذب في كل فرصة بسبب وبدون سبب، وبدون خجل أو حتى تأنيب للضمير، وهنا قدوتي الأطفال وليس الكبار.
وإذا ما تحدثنا عن الحب ستتجسد أمامك أيها القارئ العزيز مشاهد رأيتها بعينك يعبر بها الأطفال عن حبهم ويظهر بها مدى ذلك الحب وأبعاده وصدقه، فهم لايخشون من أن يظهروا حبهم ولا يخجلون من ذلك، بل يعلمون أنها فطرة إنسانية نبلية ومشاعر عظيمة، وبكل أستاذية يترجمون تلك المشاعر على أرض الواقع بدون تردد أو تخوف، من دون أن يتوقعون ردة الفعل للطرف الآخر أو يحسبون لها حسابًا، أو يخافون أن تكون مخالفة لما يتوقعون أو مضادة لما يحملون في صدورهم الرقيقة عظمًا القوية حبًا لمن خرجت لهم هذه المشاعر، وبعض الكبار تجده يخجل من مشاعره الإنسانية ولا يحب أن تظهر لزوجته أو أولاده أو حتى أمه وأبيه ويحبسها حتى يشعر الذين من حوله أنه كالحجر بل أشد صلابة، هنا يكون الأطفال قدوتي وليس الكبار.
وعن التسامح في عالم الأطفال لا تسأل، بل راقبه بأم عينك وستجده ليس جزءًا من عالم الأطفال بل هو كل عالمهم، فما أن يتشاجر الطفل مع طفل غيره ينتهي الشجار في مهده، ولا يطول أبدًا وتجد الطفلين يلعبان مع بعضها البعض بمحبة أكبر من تلك التي كانت في قلوبهم قبل المشاجرة، والتسامح في عالم الأطفال لم يتعلموه ولم يقرؤوا عنه حِكمًا ولم يحثوا عليه، ولكهنم يعيشون به كمبدأ لا يحيدون عنه، وفي عالم الكبار تجد بعضهم لا يحب التسامح ويراه ضعفًا وقلة حيلة وانكسار، ولا يطلبه ولا يسعى إليه حتى مع أقرب الناس إليه محثوثًا من شعور بالكبرياء المزيف المنغص لكل ما كان جميل بينه وبين من تشاجر معه، وليس للتسامح عنوانًا في قاموس حياتهم، وهنا يكون الأطفال قدوتي وليس الكبار.
الفضول أو دعني أسميه سلوك العباقرة الذي تراه يسكن كل طفل، فتجده لا يقف عن الأسئلة، يريد أن يتعلم كل شيء، أن يستفسر عن ما يجهل، وتراه يصدر أسئلة يراها الكبار تافهة ويعرفون جوابها، وهم في الحقيقة قد لا يعرفونه حقًا، ومن أسئلتهم العبقرية: لماذا لون السماء أزرق؟ ولماذا لون الشجر أخضر؟ ولماذا اسمي أحمد وليس إبراهيم؟ أسئلة يراها بعض الكبار تافهة وسهلة ولكن هي في الحقيقة في قمة العبقرية، وفضول عبقري يجعل من عقول الأطفال متعطشة للمعرفة لا تتوقف عن السؤال، وما العلم إلا سؤال وجواب، أما بعض الكبار تراه يحسب نفسه يعلم كل شيء، ولديه جواب عن كل شيء، ولا يتعب نفسه حتى بالتفكير في أسئلة تثير فضوله، وهنا قدوتي الأطفال وليس الكبار.
الثقة الشديدة فيمن يحبون، فلا تجد الأطفال يشككون بمن يحبون أبدًا، لأنهم لا يعلمون معاني الغدر ولا يعرفونها، ويعلمون أن الثقة هي أساس العلاقات الإنسانية، فبدونها لا تستقر علاقة ولا تبدأ، وتنتهي قبل مبدأها، وهو صفاء فطري يسكن صدروهم لا يجعلهم يشكون بمن يحبون، لا يسمحون للشك أن ينغص عليهم علاقاتهم مع من يحبونهم، فالغدر طبع والوفاء خلقٌ متأصل في عالم الأطفال في خلاياهم وقلوبهم، وليس كمثل بعض الكبار لا يتوانى عن غدر من أحبه بكل تصرف وبكل فرصة، وهنا قدوتي الأطفال وليس الكبار.
الاستمتاع بالحياة له جزء كبير في عالم الأطفال؛ فهم لا يحملون هم الغد ولا يتذكرون الماضي بما أخذ، وكل يوم عندهم هو يوم جديد، يستقبلونه بابتسامات عريضة يصرفونها في وجه كل من يلقاهم، لا يخافون على مالهم أن يضيع، ولا يخافون على سياراتهم أن تتحطم، وكل مادي عندهم يعوض، يعيشوا اللحظة بمعنى الكلمة لا يفكروا إلا بها، ولا يتذكروها بحلوها أو مرها، بل يركزوا على اللحظة التالية، وهي قواعد للسعادة لم يتلقوها في جامعات أو من رفوف المكتبات، وهم أساتذة في هذا، وهنا الأطفال قدوتي وليس الكبار.
إبراهيم سيدي @abr14ab
مقالات سابقة للكاتب