لا تقتله.. وتقتلها!

نعم لا تقلته بكلمة طائشة لا تلقي لها بالًا؛ تدمر فيها موهبته وتقتلها هي أيضا، وتقتل بها أحلامه، وتجعله يهيم على وجهه في دنياه لا يعرف أصدقا ما قلته به أم كذبًا، وحتى لو كذب ما قلت له فلن ينساه، فلا تقتله وتقتل ما به من موهبةز

ومقالي هذا موجه في المقام الأول لكل شخص كرمه الله أن يقف أمام طلاب علم بمختلف المراحل؛ وخاصة المراحل الأولى، فطلابها كالطين المبتل الذي لم يقسى بعد، تشكلهم الكلمات على ما تصل به إلى مسامعهم وتقبع في عقولهم، ومن ثم لنفسي ولكل إنسان يعيش على هذه الأرض يستطيع لسانه النطق أن يتخير الطيب من الكلام ويقله وإلا فليصمت.

وهؤلاء الأطفال والطلاب الصغار كنت يوما من الأيام واحدًا منهم ولا زلت أذكر ذلك المعلم الذي كان ينهرني وينهر معي عدد من الطلاب عند فشلنا بحل المسائل الرياضية، وكأن العيب فينا وليس في شرحه، حتى أنني كرهت مادة الرياضيات بأكلمها في باقي مراحل تعليمي لذلك السبب؛ وهو أسلوبه في الشرح ثم كلماته المحطمة، ولكني بفضل الله تجاوزت هذا الكره أو هذه العقدة النفسية وأصبحت محبا لمادة الرياضيات، ولكن هناك غيري كثيرون لم ينجوا، وقتلت بهم موهبة لو كانت زرعت بكلمات طيبة لأصبحت موهبة وطنية ووصلت العالمية، وربما أصبحت موهبة تاريخية أيضا، من القلب أقولها: رحم الله تلك المواهب التي ماتت في مهدها، وبمقالي هذا أرجو كل معلم أن لا يقتل موهبة في مهدها في أحد طلابه بكلمات قاسية لا يلقي لها بالًا، وليكن هو زارعها ونحن جميعًا حاصدوها وليس هو وحده أو صاحبها وحده.

وأنا اليوم شاب ولا زلت أذكر موقفًا لأحد أستاذتي في مراحلي التعليمية الأولى الذي أهداني قلما لحسن سلوكي في الفصل، لقد رزع في دواخلي جميلا لا يمكن أن أرده له إلا بالدعاء غفر الله له ولكل معلم أحسن لطلابه، والموهبة تصيح في صدر صاحبها لملعمه راجية لا تقلتني لا تقتلني، نعم لا تقتلها في مهدها فهي لشخصٍ ربما يكون مخترعًا عظيمًا أو رسامًا كبيرًا أو رياضيًا فذًا، وكل هذا يبنى في صاحب الموهبة في سنوات حياته الأولى، فهو يكون فيها كالزرع الضعيف الذي يسكن الوادي الفقير ماء والعديم تربة، وبكلمة من معلمه تتفجر ينابيع بهذا الوادي، ويشتد عوده وعود موهبته معه، ويصبح تاريخًا حافلًا بالإنجازات العظيمة بكلمة طيبة تشجيعية ألقاها معلمه في خلده.

مخطئ من يظن أن القتل فقط هو ما نراه أو نسمع به؛ أن شخصًا قتل شخصًا آخر بسلاح، لا؛ فهنالك أنواع من القتل أشد، وأولها القتل بالكلمة السوء، قتل أمل في دواخل إنسان لم يبقى في صدره من الأمل إلا بصيص، قتل موهبة داخل إنسان بكلمة محبطة لا يلقي قائلها لها بالًا، وقتل الكلام أشد من قتل السلاح، وبطش الكلمة أشد من بطش القتل، قد يقتل السلاح الإنسان مرة ولكن الكلام السيء يقتل الإنسان مرات ومرات، وربما يجعله ميتًا بين الأحياء.

ولو تفكرنا قليلا في ديننا الحنيف لوجدنا أن الدين الإسلامي العظيم قد جعل الكلمة الطيبة صدقة، وهي لا تأخذ منك مجهودًا يذكر، ولكن لها أجر عظيم، فلا تقتل أيها المسلم أخاك المسلم بكلمة سوء تلقها في خلده وعلى سمعه وأنت لها غير واع، أو ربما واع وقاصد وهذا أمر آخر، أمر يتعدى في بشاعته كل وصف وتوصيف، أمر ستسقى من كأسه مهما طال بك زمانك، أو ربما يسقى به ابن من أبنائك وحينها الويل والويلات والحسرات، لا تستهن أخي بعظيم، فتكون جاهلًا مع الجاهلين، وكن منطوقَ خيرٍ في كل أقوالك أو اصمت، ولا يجد متصفح التاريخ في صحفاته صامتًا ندم على صمته، ولكن وجد الكثير ممن ندموا على كلمات خرجت منهم، احذر كلماتك أو اصمت.

وأنت أيها المعلم قد كرمك الله بمكانة ومنزلة بين الناس عظيمة، فالأحق أن ترعاها وتحمد الله عليها وتشكره، وشكرك لها فعلا وقولا، وكل طالب عندك هو ابن وأخ لك فاحرص على كلماتك، فكم من معلم أخرج للدنيا عالمًا، وكم من معلم قتل موهبة في مهدها، فتخير أي الفريقين تريد.

ومن مقامي هذا شكر لكل معلم ومعلمة أفنوا أعمارهم في التعليم؛ أسمى رسالة في الدنيا وأعظم مهنة، ولا يفيكم حقكم أيها المعلمون كلام مهمًا تزينت أحرفه، ولا أجد لكم سوى الدعاء؛ وفقكم الله لكل خير وسدد خطاكم.

إبراهيم سيدي ‫⁦‪@abr14ab‬⁩ ‬

مقالات سابقة للكاتب

4 تعليق على “لا تقتله.. وتقتلها!

محمد صامل الصبحي

الجميل في المقال أنه أقرب الى السَّردْ القصصي المباشر ..
وزاده جمالاً “شخصنة” المواقف بصورة مبسطة جداً ..
وتوظيف العاطفة الدينية لتأكيد رسالة المقال الهادفة
وان كان لي من ملاحظة فهي تكرار “النصح المباشر ” فهو يضعف حبكة المقال وبنيته من ناحية .. ومن ناحية أخرى يأنف منه المتلقي ولا يجد له آذان صاغية كون النفس البشرية جبلت على عدم قبول هذا الأسلوب ويمكن الاستعاضة عنه بالرسائل المبطنة التي يمكن ان تصل من خلال صيغٍ لغويةٍ وبلاغيةٍ وأدبيةٍ كُثر تجمع بين الابداع والتأثير الايجابي معاً ..
وكل ماذكرت لايقلل أبداً من ابداع الكاتب وحسن اختياره للموضوع ومهارته في سرد الشواهد بما يعزز أفكاره ويساند آرائه
محمد صامل الصبحي
محرر صحفي سابق
جريدة ” المدينة”

إبراهيم سيدي

أستاذ محمد صدقني لا تعجز كلماتي عن كتابة مقالة عن أي موضوع كان لكنها الآن لا تسعفني لأرد على كلماتكم وتعليقكم الكبير الذي كان أفضل من المقالة وصاحبها وما يسعني إلا أن أقول جزاك الله خير الجزاء وملوحظاتك سأضعها نصب عيني .

أبو عبدالله الطياري

مقال رائع
وما ذكرته صحيح واتمنى أن يطلع عليه كل مربي وكل معلم ومعلمة
فهي رسالة لهم لعلهم يحتاطوا لهذا الأمر
بارك الله في قلمك

إبراهيم سيدي

جزاك الله خيرا أستاذي الفاضل على اقتطاعك جزء من وقتك الثمين لقراءة مقالتي والتعليق عليها،وهذا ما يدفعني ويجشعني لكتابة المزيد من المقالات،جزاك الله خير الجزاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *