في روسيا يحصل الطالب على درجتين من خمسة إذا لم يجب على أي سؤال أي ترك ورقة اجابته بيضاء ! يقول أحد الدارسين بجامعة موسكو لم أكن أعرف هذا النظام في أول أيامي بالجامعة فسألت الدكتور مستغرباً أَمِن المعقول أن يحصل الطالب على درجتين دون أن يجيب على أي سؤال المفروض أن يأخذ صفرا ! هذا المنطق ! يقول فأجابني قائلا :
كيف نعطي لمخلوق بشري صفر ؟ وهو ينهض في الساعة السابعة صباحاً ويحضر المحاضرات ؟ كيف نعطيه صفرا وهو من حضر الاختبار وحاول حله . كيف نعطيه صفرا وقد أنفق ماله في شراء أدواته المدرسية. واستطرد الدكتور حديثه والدهشة تغمرني!!
هنا يا ابني لا نعطي صفرا لمجرد أنه لا يعرف الإجابة ! فنحن على الأقل نحترم إنسانيته وعقله . ولأن الدرجة ليست درجة الامتحان فقط بل هذه على الأقل درجة تقديراً واحتراما لأدميته . يقول الطالب خرست ولم أعرف كيف أرد وهنا فقط عرفت قيمتي كإنسان !
هذا الموقف التعليمي ذكرني بمواقف مرت بي ولعل الكثير منكم مر بها من خلال مسيرته التعليمية . فكم عدد الضحايا الذين تعثر بهم الطريق لا لقصور في عقولهم ولكن لسوء نظام التعليم وعدم مهنية المعلم وضعف إعداده ، حيث تعرض الكثير من الطلاب لظلم سافر مع إيماننا (بسلامة النية وحسن المقصد )أدى ببعضهم إلى مغادرة مقاعد الدراسة بلا رجعة ، والبعض تركها في آخر سنوات التعليم الأساسي. والمآسي التي أعرفها وتعرفونها لاتعد ولا تحصى.
شخصيا أعرف طالبا في سنواته الأولى رسبه معلم مستجد في مادة الفقه وفي اختبار الدور الثاني حيث لم يتقن ترتيب جمل الآذان ليفقد سنة كاملة من عمره !
وآخر أعاد العام في مقرر اللغة الانجليزية في شهادة الكفاءة المتوسطة ثلاث أعوام متتالية ينجح في كل المواد ويخفق في الإنجليزي (مأساة ) فاضطر إلى ترك مقاعد الدراسة وشق طريقه في الحياة بنجاح وبقي ذنبه يطارد من تسبب في رسوبه أقول ربما !
تتذكرون الدائرة الحمراء كم قضت على أناس ودمرت مستقبلهم وأحيانا يكون الفارق ما بين النجاح والرسوب درجة واحدة فقط . لله ما أقسى تلك القلوب وما أبعدهم عن روح النظام حضر جبروت النظام وغابت روحه !
وصور انتهاك حقوق الإنسان وعدم احترام بشريته وعقله تتكرر كل يوم ، فصور التدقيق المبالغ فيه تلازم فئة من المعلمين والمعلمات خصوصا وكأنهم يزنون غرامات الذهب لا أنفس بشرية تتعرض لعدد من العوامل والضغوطات لا يملكون حيالها إلا الاستسلام فما بالنا نقسو عليهم فوق قسوة الأيام . ومن خلفهم آباء وأمهات يَحمِلون هم نجاحهم ويحلمُون بموعد تخرجهم .
الصفر إهدار لكرامة الانسان وفي الحديث المؤمن القوي أحب الى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ! حتى الطالب الضعيف قليل المهارات ضعيف الاستيعاب فيه خير . وبلا شك يستحق درجة أفضل من الصفر . أما الصفر كقيمة فيعني نفي الخير عنه البتة .
إن إصدار الحكم على انسان وتقييمه بالصفر حكم جائر لا يتناسب وما وهب الله هذا الإنسان من عقل عجزنا نحن في التعامل معه .
وفي ميداننا التربوي الكثير من النماذج المضيئة والتي تراعي تلك الحالات من الطلاب وتحفظ لهم كرامتهم وتراعي مشاعرهم وتقدر جهودهم البسيطة وقدراتهم التي منحهم الله إياها .
كم من طالب قسونا عليه وحرمناه من بضع درجات ثم شق طريقه بصعوبة فرأيناه بعد سنوات شابا ناجحا وربما يشار له بالبنان وحكاية الفتى الصغير توماس أديسون أكبر مثال والواقع يشهد بذلك . يقول اديسون لقد دافعت أمي عني بقوه عندما وصفني استاذي بالغبي، وفي تلك اللحظة عزمت ان أكون جديرا بثقتها، إنها الثقة بالنفس إذا منحت للطالب فلا تسأل عن نجاحه وتفوقه وابداعه وإن سلبت منه سلب منه كل شيء . فرفقا بمن تحت أيديكم أيها المعلمون ورفقا بالقوارير أيتها المعلمات .
هذه ليست دعوة لمنح شهادة النجاح للطلاب كيفما اتفق لكنها دعوة لممارسة إنسانيتنا واحترام عقول طلابنا وعدم الاستعجال في اصدار الحكم عليهم وان عدم النجاح في الدراسة لا يعني عدم النجاح في الحياة ، فرويدا أحبتي المعلمين أخواتي المعلمات .
فهناك عشرات الطرق لمساعدة طلابك على النجاح دون الاخلال بأمانتك أو خرق أنظمة الاختبارات لتكن أنت اليد الرحيمة التي تنتشل ذلك الطالب الذي لازال يتلقى الضربات الموجعة لنفسه والمحطمة لذاته من نوع : قابلني إذا نجحت ! أو تبغى تنجح؟ عشم ابليس في الجنة ! أو من زملائه بأنه طالب فاشل و لن ينجح أو على حد قولهم ما عندك أحد !
عزيزي المعلم إن نجاحك الحقيقي ليس مع الطالب المتفوق والمستقر أسريا والمتوافق نفسيا بل هي في جهودك مع ذلك الطالب الذي تلقى حربا شعواء خلال سني دراسته حطمت فيه كل قواه وافقدته الثقة بقدراته فهو يعيش في صراع مع ذاته نحتاج الى ذلك المعلم صاحب الحس التربوي والنظرة الإيجابية والشعور بالمسؤولية ليحمل طوق النجاة ويقذف به تجاه ذلك الطالب وينتشله من الغرق !
أقول لكل معلم فتش بين طلابك عن مثل هذا النوع من الطلاب ستجد الكثير فالبعض تنتشله بكلمة تشجيعية ! والبعض قد تغير مجرى حياته توقع جميل وأمل طموح!
تقول أحد الطالبات كتبت لي معلمتي إني أرى فيك مشروع طبيبة ناجحة أرجوك لا تخذليني ! فقلبت حياتي جد واجتهاد وأنا طبيبة الآن .عزيزي المعلم كلمة منك لست ككلمة من غيرك فانتبه لكلماتك فربما بنيت مجدا أو ربما هدمت قصرا .
وفترة الاختبارات يحتاج فيها الطلاب الى التحفيز المعنوي بالكلمة الطيبة والدعاء الصادق رفعا لمعنوياتهم وتطمينا لقلوبهم الخائفة ونفوسهم القلقة .
تعمد كل يوم أن تسمعهم كلمات مؤازرة وعبارات مشجعة ودعوات حارة وتطالعهم بوجه طلق وابتسامة مشرقة . حينها ستسعد قلوبهم وتكسب مودتهم وتنال الأجور المضاعفة .
أساتذة الجيل لا أطمع في تطبيق النظام الروسي في تقييم أوراق الاجابة أعلم أن دون ذلك خرط القتاد ! ولكن لا يراك الله إلا محسناً ، والله يحب المحسنين !
عبدالرحمن بن مصلح المزروعي –مكة المكرمة
مقالات سابقة للكاتب