يتعرض طالب اليوم لسيل جارف من النصائح و وابل من التوجيهات تنصب عليه من كل حدب وصوب . قصف عشوائي ! وربما وقع ضحية للنيران الصديقة !! حتى يكاد يصدق فيه قول الشاعر :
تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد !!
انصبت عليه كلمات وعبارات ونصائح مجانية أشبه ما تكون بتعليمات استعمال الدواء وأحياناً على طريقة اعلان ارتاح وسلمنا المفتاح !
تبين للطالب كيف يذاكر ؟ ماهي أفضل طريقة للحفظ ؟ماذا يفعل ليلة الاختبار ! وماذا يفعل أثناء الاختبار . ماذا يفعل بعد الاختبار ! وماذا يأكل قبيل الاختبار ! تعليمات على طريقة افعل ولا تفعل !
وأقول مهلاً أيها السادة ورفقا بهذا الطالب المغلوب والذي تتوقعون منه أن يحقق النجاح والتفوق في ليلة . كالمُنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى . وحالته أشبه ما تكون بمن يخوض معركة برية دون غطاء جوي !
إن عملية التحصيل الدراسي هي عملية بناء مستمرة تستغرق وقتاً ولا يمكن أن تختزل في يوم أو بعض يوم وإلا كان حظ الطالب من ذلك كحظ موسى من جدار اليتيمين !
أن ظاهرة المبالغة في كثرة التعليمات المملة والارشادات الروتينية زادت من الشحن النفسي لدى الطلاب فازداد قلقهم السلبي وبالتالي أتت النتائج عكسية .
خذ مثالا بسيطا التحذير من الفترة الحرجة التي تأتي عقب نهاية فترة الاختبار وقبل عودة الطالب لمنزله اتفق مع الجميع على خطورتها لكن المبالغة في هذا الأمر هو ما قصدت تحديدا . طالع : أحد هذه العبارات :
فترة الاختبارات خطر يهدد أبناءنا ! إن الايحاء السلبي لهذه العبارة يرفع مؤشر القلق لدى الأسرة والوالدين تحديدا الأمر الذي يسهم في زيادة الشحن النفسي وانعكاس ذلك على حالة التوتر في العلاقة بين الطالب وأسرته , فبداع الحرص والخوف تصبح التعليمات العسكرية هي السائدة في هذه الفترة : لا تخرج! لا تتأخر ! انتبه لإخوانك ! فتكثر اللاءات والأوامر العسكرية .
عفوا يا سادة لا تتركوا الحبل على الغارب !
فقط قليلاً من المرونة وكثيرا من الدعاء ولزوم الأذكار فهي الركن الشديد والحصن المنيع . ألم يرد في آخر دعاء الخروج من المنزل أن يقالُ لهُ هُديتَ وَكُفِيت ووُقِيتَ ، وتنحَّى عنه الشَّيْطَانُ » « فيقول : يعْنِي الشَّيْطَانَ لِشَيْطانٍ آخر : كيْفَ لك بِرجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفي وَوُقِى»؟
لكنها غريزة الخوف الفطري لدى الأب كما قال الله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام (إني أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون ) فمهما بلغ الحرص يظل قدر الله نافذاً والله خيرٌ حافظا ً وهو أرحم الراحمين .
بيئة اختبارات داعمة هي ما ننشده لأبنائنا حتى يتجاوزوا هذه الاختبارات وسط أجواء تسودها الثقة والمحبة والتفاؤل لا أجواء تخيم عليها سحب الخوف والتوتر والاحتقان فلزوم خط الاعتدال وعدم المبالغة مطلب . فكلا طرفي قصد الأمور ذميمُ
إن النجاح والتفوق حصيلة مسيرة طويلة من الكفاح تبدأ من أول يوم دراسي وتنتهي عندما يرن الجرس معلنا نهاية الاختبار وصوت المراقب يهتف انتهى الوقت فضلا ضع القلم .
عبدالرحمن مصلح المزروعي
مقالات سابقة للكاتب