سفينة نوح

بسم الله الرحمن الرحيم 

عندما حكى القرآن الكريم قصة سيدنا نوح عليه السلام وقومه الذين لبث فيهم وبينهم يدعوهم إلى عبادة الواحد الديان تسعمائة وخمسين عامًا فلم يجبه إلا قليل من قومه برغم طول المدة التي مكث فيها معهم أجيالا تليها أجيال ولكن النبي ذا العزم لم ييأس من إيمانهم؛ فلما أن أراد الله أن تنتهي هذه الدعوة وذلك الإمهال أمره أن يصنع الفلك (السفينة) ويحمل فيها من كل شيء في الأرض زوجين لأن الله قد حكم على القوم بالهلاك لعصيانهم الرسول، سوف تغرق الأرض جميعها بالطوفان والقصة معروفة.

لذلك فإن لكل نبي ورسول سفينة معنوية، فسفينة نوح كانت سفينة حسية مادية مشاهدة للعيان وركابها الناجون كانوا ركابًا حقيقيون اختارهم الله بعلمه؛ ولكن الأنبياء من بعده اتخذوا سفنًا معنوية كناية عن دعوتهم ومن اتبعها معهم، فمن دخل في ظل الدعوة وآمن معهم فقد ركب سفينة النجاة التي ترسو بهم إلى بر الأمان لينالوا رضا الخالق جل وعلا ومن ثم النجاة في الآخرة، والطرف الآخر الذين رفضوا دعوة الأنبياء هم الذين تخلوا عن ركوب السفينة واتخذوا نفس المبدأ الذي اتخذه ابن نوح ( سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ) وليس هناك عاصم إلا باتباع منهاج الحق وطريق الأنبياء، وهي الطريق التي تنجي من عذاب الله.

وإلى اليوم مازال الفريقان يتخذان نفس المبدأ والأسلوب؛ فريق انصاع وارعوى لأمر الله، وفريق أبى إلا الجحود واتباع سبل الغواية والانحراف عن جادة الصواب، وما زالت المعركة قائمة وستظل إلى أن ينادي المنادي لفصل القضاء.

نعم مازالت سفينة نوح تحمل الناجين ويأبى من قضى عليه الهلاك أن يركبها ويتخذ سبيل المؤمنين لينجو، وآثروا إلا سلوك سبيل المفسدين الذي رأوا أن عقولهم ستهديهم إلى جبال وهمية يتسلقونها ويظنون أن في قمتها النجاة، وما هي إلا أوهام الشيطان ووسوساته، وسيغرقون في الحال بسبب ضلالهم وعمايتهم.

مازال الصراع قائمًا؛ يدّعي أهل الباطل أن الحق معهم برغم وضوح طريق الحق وقتامة وظلامية طريق الباطل الذي سلكوه.

إن الطريق والسبيل إلى الله واضح جدًا لا يحجبه شيء سوى حجاب الباطل الذي يحمل رايته إبليس ومن اتبعه وسار في ركابه، والغواية التي تبناها أهل الباطل تتمثل في الشهوات التي زينها الشيطان لأتباعه هي الثمن الذي يلهث خلفه الذين أبوا أن يركبوا سفينة النجاة.

هم يعلمون طريق الحق ولكن لحب الأنفس الشهوات اتخذوا هذه الشهوات مركبًا لهم عوضًا عن ركوب فلك الحق (فلقد حفت النار بالشهوات والجنة بالمكاره) والصعاب كما قال الصادق المصدوق ﷺ في هذه الدنيا، والعاقل الكيس الأريب هو من يرغم نفسه على تجنب الشهوات المردية، فقد قال الله تعالى في هذا الشأن ( بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ).

فلأجل إشباع الرغبات من الشهوات ينكر الإنسان القيامة؛ لأن النفس الإنسانية والضمير الإنساني يأبى إلا الرجوع إلى الفطرة السوية، وعباد الشهوات ينكرون البعث إمعانًا في الباطل، فقد أُشرِبت قلوبهم ونفوسهم الشهوات فهم يحاولون جهدهم إسكات صوت ضمائرهم التي تأنبهم.

واليوم ها نحن نرى الأمور تأخذ منحى آخر وطريق غير التي من المفترض أن يسلكها كل ذي عقل سليم لكي ينجي نفسه من الهلاك، إن راية الشهوات أصبحت ترتفع وتزداد علوًا وينضم تحتها كل الذين اغتالوا ضمائرهم وكتموا أنفاسها لكي لا تؤرقهم بوخزاتها.

إبراهيم يحيى أبو ليلى

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “سفينة نوح

وضاح

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
استاذنا الفاضل ابا احمد قلم مداده حب وانسانيه وصدق ونبل لا نملك الا ان نمد ايدينا اليه بالورود حبا وعرفنا وعقل يتفتق ابداع وتميزا متمسك بمبادئه وقيمة وثوابته ليس بمقدورنا على مكافئته الا بدعوة من القلب بان يحفظ الله هذا العقل ويديم عليه تميزه وابداعه استاذي الفاضل لم تترك لي مجال للاضافه سوا ان اتحدث عن قلم مداده كلمات نورانيه استمدت نورها وبهائها من كتاب الله وسنة نبيه صل الله عليه وسلم وفكرا راقي يخاطب النقيضن معا عقل وعاطفه لاننى في الغالب قد أتخذ قرارا يتفق مع العقل ومؤلم للعاطفه لذا اعتبرهما شخصيا العقل قد يتناقض مع العاطفه راي شخصي قابل للخطاء اكثر من الصواب
استاذي الفاضل لك كل كلمات الشكر والتقدير والثناء على ما تكتب من مقالات هادفه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *