الحديث عن السفر وشؤونه وشجونه حديث محبب للنفس، لأن النفوس تعشقه وتتوق إليه ، ولأن السفر ارتبط بالمتعة والفائدة وفيه تجديد وتغيير للروتين. والنفوس تكل وتمل وتبحث عن التغيير واكتشاف الجديد.
السفر منحة ربانية للهروب من نمط الحياة المعتاد .. فهو بمثابة الإعلان الرسمي لقتل الروتين.
السفر يعني أن تعيش بقلب وعقل وجسد جديد غير ذاك المنهك والمتهالك من كدح الحياة.
السفر تغيير لكثير من الأشياء.. تبدأ بتغيير الملابس وربما تنتهي بتغيير القناعات والأفكار، واكتساب العلوم والمعارف والتجارب والخبرات.
السفر ابتعاد عن هموم العمل وضغوط الحياة وعن كل ما يذكرك بها.
السفر نافذة على عالم جديد له عادات وتقاليد وطريقة حياة مختلفة.
السفر تأمل في الطبيعة والنظر إلى بديع خلق الله في الكون.
السفر إدخال السعادة والسرور للنفس ، ولنفسك عليك حقاً.
السفر يعني راحة الأعصاب والهدوء والاستمتاع بكل ماهو جديد من حولك من مناظر خلابة وأمطار وأنهار وأشجار
ولكن هل كل من سافر تحققت له هذه الأشياء ؟! الحقيقة أننا نسمع من بعض الناس ممن سبق لهم السفر التقليل من موضوع السفر وأنه مضيعة للوقت وتبذير للمال .. ولو بحثت عن سبب وجهة نظره هذه لوجدت أنه محق فيها .. ولكن ليس السبب في السفر بل هو شخصياً السبب في ذلك لأنه لم يخطط للسفر جيداً.
لذا فإنه ومن واقع خبرتي في هذا المجال ، فإنه لكي تحقق أكبر قدر من الإستفادة والمتعة من السفر لابد من مراعاة بعض الأمور المهمة سأوردها فيما يلي :
أولاً : اختيار الوجة المناسبة للسفر حسب ميول الشخص ورغباته فهناك وجهات مناسبة لمحبي الطبيعة وهناك وجهات لمحبي التسوق وأخرى لمحبي الألعاب والملاهي ، وهناك وجهات تصلح للعائلات وأخرى لا تصلح لهم .. الخ.
ثانياً : اختيار الوقت المناسب لزيارة بلد معين من حيث الطقس فإذا كنت هارباً من لهيب الصيف في بلدك فليس من المنطق أن تذهب لبلد حار.
ثالثاً : النواحي الأمنية (مثلا لا يكون السفر في وقت انتخابات في ذلك البلد) أو مظاهرات أو بلد عُرف بالفوضى وضعف الأمن.
رابعاً: لابد من تحضير معلومات كافية عن ذلك البلد قبل السفر مثل الأماكن السياحية وخيارات السكن ، ومعرفة نظام البلد وعملته وطرق المواصلات … الخ. وهي معلومات متوفرة بكثرة في الانترنت ، ومع ذلك تجد بعض الناس ينزل في بلد وهو لا يعرف عنه شيئاً ! فكيف يستمتع هذا ؟!!
والناس من حيث السفر ينقسمون الى قسمين فالبعض يفضله بالعائلة والبعض الآخر يفضله عزوبياً لخفة الحركة وتقليل المصاريف. والحقيقة أنها كلها جميلة ورائعة ولامانع من الجمع بينهما فتارة لوحدك وأخري بالزوجة والأولاد وهذا حق من حقوقهم طالما أنك تسافر فلا بد أن يكون لهم نصيب من ذلك.
والسفر بالعائلة رغم تكلفته العالية والمشقة التي تصاحبه إلا أن له حسنات وفيه متعة لا يمكن تحقيقها إلا بالسفر العائلي.
ففي السفر بالعائلة توثيق لعرى العلاقة الأسرية من خلال الاجتماع في مكان واحد لمدة لاتقل عن نصف شهر ، نجتمع في شقة واحدة وفي سيارة واحدة ، وعلى سفرة واحدة ثلاث مرات في اليوم على الأقل ، وهذا ما لا يتأتى في الحضر بسبب الارتباطات ومشاغل العمل وتربية الأطفال.
في سفر العائلة أجد متسعاً من الوقت اناقش فيه أبنائي وبناتي في كثير من المواضيع ، واستمتع وهم من حولي مجتمعين منصتيين دون ان يغيب أو يستأذن منهم أحدا لمشوار اً أو ارتباط بدراسة أو مذاكرة أو عمل أو غيره.
في سفر العائلة أجد فرصة لتوجيه أي ملاحظة أو نقد أو إصلاح سلوك لأحد من أفراد أسرتي.
وفي سفر العائلة فقط استمع لأحاديثهم الجانبية ، و اسمع منهم آراء لم اكن لأسمعها لولا توفر هذا الوقت المتسع للنقاش والحوار.
سفر العائلة فيها بهجة وسرور يغطي الجميع ويسعدهم وتقرأ الفرحة والسرور في عيونهم وعلى ملامح وجوههم وهذا هدف يستحق أن نضحي من أجله.
وأعلم أخي الكريم أنه إذا وطأت قدميك البلد الذي تقصده فإنك منذو تلك اللحظة أصبحت سفيراً لبلدك بل سفيراً للإسلام بما أنك من أرض الحرمين فأعلم أن كل تصرفاتك سوف تحسب على الإسلام وعلى بلاد الحرمين (شئت أم أبيت فهذا قدرك) فكن على قدر هذه المسؤولية وتصرف من خلالها حتى لو تطلب ذلك منك أن تتنازل عن بعض حقوقك في مقابل أن تنقل صورة جميلة عن دينك وعن وطنك.
ارسم على ملامحك ابتسامة دائمة فالابتسامة مفتاح القلوب واللغة التي يفهمها كل العالم ، وكن كريماً في تعاملك مع الآخرين خاصة مع الخدم والضعفاء ،واجعل لك كل يوم على هؤلاء صدقة ولو بالقليل فما أعظم أجر الصدقة وما أعظم أثرها في نفوسهم ، ولاتنس أن الصدقة تزكية للنفس وحفظ لك ولأفراد عائلتك وكم انت محتاج الى هذا في السفر لتدوم سعادتكم وتتيسر أموركم وتكتمل فرحتكم.
واذا سكنت عند عائلة وطبختم اعطوهم ولو كانوا في نظركم أغنياء واهدوا أطفالهم فان للهدية أثر في النفس. وتعاهد صناديق مساجدهم كلما صليت فيها ولو بشي يسير ، اجعل لك بصمة هناك تجد أثرها يوم القيامة. واحرص على صلاة الجماعة لكي تختلط بالناس وتتعرف عليهم وتتواصل معهم.
فالسفر لا يعني ترك الصلاة ولايعني السهر والنوم عن الصلوات المكتوبة.
واجعل شعارك في السفر العبادة اولاً والمتعة ثانياً.
وأخيراً .. السفر هو استقطاب وتخزين أكبر قدر من الطاقة الايجابية لمستقبل الأيام العملية لتعود بكل نشاط واستعداد للإبداع والعطاء.
وكلوا واشربوا ولاتسرفوا ورحلة ممتعة ان شاء الله.
سليمان حامد الصحفي
مقالات سابقة للكاتب