قبل أيام قرأت قصة واقعية قصيرة لفتاة أمريكية تقول فيها بأنها خرجت من بيتها وهي مستعجلة فركبت سيارتها بسرعة وسارت أيضًا بسرعة، فوجدت أمامها سيارة تسير بطريقة غريبة ومعلق عليها لوحة كبيرة مكتوب فيها بخط كبير ظاهر للذي يسير خلف السيارة: ( أنا أتعلم قيادة السيارة العادية، أرجو أن تصبروا عليّ )، تقول الفتاة بأنها شعرت ببعض الحنق في البداية ثم تعجبت ثم أخيرًا استسلمت للأمر حيث أن السيارة التي أمامها كانت تسير ببطء شديد أقل من السرعة السموح بها في ذلك الطريق بكثير، وليس هناك مفر من السير خلفها إذ لا توجد فرصة لتخطيها، ولهذا دخلت الفتاة في حديث ذاتي مع نفسها وكيف أنها تحملت سير السيارة التي أمامها وهي تسير ببطء من غير أن تتضجر أو تزعل أو تحاول إزعاج السيارة التي أمامها، ووصلت إلى قناعة بأن معرفتها بحالة السائقة التي أمامها كانت السبب في أنها تلمست لها لعذر، وكيف أنها في نفس الوقت تحلت بالصبر لأنها عرفت السبب.
تخيلت القصة وسرحت أنا في ذاتي أيضًا، كم من المرات التي سرت فيها خلف سيارة تسير ببطء وعطلت حركة السير في الطريق، وكم من المرات التي تعجبت فيها من تصرف سائق سيارة أمامي يسير بسرعة أو مستعجلًا ويتجاوز السيارات بطريقة غريبة، وربما مر كثير غيري بمثل هذا الموقف. وتذكرت أنني في أحد المرات كنت أسير في شارع فرعي فوجدت سيارة معترضة في الخط وسائقها بالكاد يتحرك سنتيمترات إلى الأمام ثم يعود إلى الخلف مثلها وقد اصطفت السيارات من الاتجاهين في انتظار أن يفسح لها المجال وكنت أنا في السيارة الأولى من جهة السائق، فشعرت بنوع من الضيق وعدم الرضا من ذلك التصرف الذي أراه، وما هي إلا لحظات حتى أشار لي السائق بأن أجيء إليه، فنزلت وذهبت إليه وكانت المفاجأة بأن أحد يديه مكسورة ومعلقة برباط في رقبته وكذلك أحد رجليه مكسورة ومغلفة بالجبس، فنزل من سيارته مستندًا على عكاز بيده الأخرى وطلب مني أن أكمل توجيه السيارة إلى الجهة التي يريدها.
بالربط بين قصة الفتاة، والموقف الذي مر بي تعجبت كيف أن معرفة حالة السائق الآخر أو الشخص الآخر ولماذا هو يتحرك أو يتصرف بتلك الطريقة البطيئة، وهو ما أسميته بـ (المعرفة المسبقة) أدت إلى النتجية التي شعرت بها بما فيها من الصبر والتعاطف والمساعدة وكيف أدت تلك المعرفة المسبقة إلى قيامي بذلك التصرف الذي قمت به في تلك التجربة بسبب اطلاعي على حالة السائق ومعرفة الظروف التي يمر بها في تلك اللحظة والتي أعطتني الدافع بأن أتصرف بتلك الطريقة التي فيها الكثير من الاحترام له وفي نفس الوقت التعاطف معه.
فقلت لنفسي وتخيلت كيف لو أن كل شخص كتب على ظهره لوحة بخط يمكن قراءته لمن يراه، بأنه يعاني من أمر ما، مثلًا: ( إنني أمر بظروف عائلية صعبة ) ، أو ( إنني فقدت عملي اليوم )، أو ( إنني فقدت زوجي أو زوجتي أو أحد أقربائي اليوم )، أو ( إنني محبط بسبب ظروف مالية أو خاصة )، أو ( لدي مريض في حالة صعبة )، وما إلى ذلك من أمور الحياة التي تؤثر جسديًا ونفسيًا على الإنسان… كيف لو أن كل شخص نراه نستطيع أن نعرف ما بداخله أو لدينا القدرة بأن نعرف ما يمر به من ظروف في تلك اللحظة فكيف سيكون تعاملنا مع بعضنا البعض.
خلصت إلى أننا لكي نعيش بسلام ونعامل الآخرين باحترام وبتعاطف ومودة علينا أن نلتمس لهم الأعذار وأن نتخيل بأنهم يمرون بظروف خاصة جعلتهم يبدون كما هم في الظاهر لنا، وعلينا أن نقدر ظروفهم ونتعاطف معهم لعلنا نجد من يتعاطف معنا في يوم ما أو ظرف ما.
عبدالعزيز بن مبروك الصحفي
مقالات سابقة للكاتب