ارفع الشاشة فوق ! .. عبارة يعرفها جيدا السادة السنابيون ومتابعوهم ! لكنها لفتت نظري لحال الكثيرين ممن يغرقون في تفاصيل حياتهم اليومية حتى ليخيل لأحدهم أنه الوحيد في العالم الذي تحيط به هذه الهموم والغموم . ولعلي هنا أستعير عبارتهم المشهورة وأهمس في أُذنه ارفع الشاشة فوق ! لترى أفقاً واسعاً رحباً خذ نفساً عميقاً ثم دعه ينساب برفق ! استنشق عبير الحياة والجمال وانْعم بالطيبات من الرزق .هذا ليس زخرفاً من القول !
بل هي دعوة لتجاوز تفاصيل الحياة الصغيرة إلى الغايات الكبرى للحياة حينها ستبدو هذه التفاصيل شيئا من العبث الطفولي ما كان لنا أن نعيرها كل هذا الاهتمام ونمنحها كل هذا الوقت بل ولا أن نشغل أنفسنا بها إنها تفاصيل الحياة التي ستمضي شئنا أ م أبينا إن الكثير من تلك التفاصيل لا سبيل للعيش الهنئ الا بإفساح المجال لها واعطائها الوقت لتمضي بسهوله وتمر مرور الكرام .
والزمن كفيل بحل أغلب تلك المشاكل ! فلا تجهد نفسك وتغرق في تفاصيل قصة حياتك والتي كتبت بيد حكيمٍ خبير . لتكن أنت المتفرج على هذه القصة اجلس جلسة المتأمل بل ضع ساقاً على ساق واستمتع بقصة حياتك . جميل أنت تشاهد فلماً يحكي قصة : البطل فيها أنت !
ارفع الشاشة فوق واستمتع بالفيلم والذي أجمل ما فيه أنها قصة بدأت من يوم ميلادك الجميل وسيظل العرض مستمرا الى حين! وستعيش معه لحظات الفرح والترقب بعين متلهفة ونفس مشتاقة لغدٍ أجمل !
إنها قصة بدأت من سنوات مرت بحلوها ومرها وستمضي أيضا بفرحها وترحها : دع الأيام تفعـل ما تشــاء وطب نفسا إذا حكم القضاء . دع القلق جانباً وابتسم لتفاصيل قصة حياتك ! دعها سماوية تجري على قدر. وأجمل من ذلك كله :( وأعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ) .
لا تظن أن حياتك أنت فقط حياة متخمة بالآلام! بل هي كما قيل: طُبعت على كدرٍ وأنت تريدُها, صفواً من الأقذاء والأكدار . والهموم كالغيوم ستنقشع يوماً ما وسيتبدل الحال وتحلو الحياة ! عش الحياة بتفاصيلها الجميلة استمتع بالأشياء البسيطة . املأ حياتك بالتفاؤل ! نم على مقولة غداً سيكون أجمل !
في ليلة عاصفة دخل زوجان أمريكيان عجوزان أحد الفنادق وقد أصابهما الإعياء الشديد من البرد والتعب فاستقبلهما الموظف الشاب بكل رعاية واهتمام ولما كان الفندق ممتلئاً بالزبائن فقد عرض عليهما الموظف سريره الخاص وكان هو المكان الوحيد المتاح لهما ورغم رفض الزوجين ذلك فقد أصر الموظف الكريم على موقفه وفي الصباح ودّع العجوز وزوجته الشاب الطيب وقالا له : ينبغي أن تكون يوماً ما مديراً لأفضل فنادق أمريكا وافترقا ضاحكين.
نسي الموظف الشاب ذلك الموقف ولكن العجوز لم ينسَ وبعد عامين تم إنشاء فندق هائل في مدينة نيويورك وكان صاحبه ذلك العجوز وقد دعى الشاب رحيم القلب لرؤية ذلك الفندق الكبير قائلاً له ( هذا هو الفندق الذي بنيته لتديره أنت )
إن خدمة الآخرين بدون توقّع عِوضاً منهم يخرجنا من طوق الحياة المادية ويمنحنا شعورا ساميا يفوق الوصف . (القصة من كتاب الرقص مع الحياة. لمهدي الموسوي).
إنه العطاء دون مقابل مهجة الحياة ومتعتها وممارسة لأجمل القيم الانسانية فأنت تنظر باستغراب عندما يُقدم لك أحداً خدمة جليلة دون مقابل ودون حتى سابق معرفة ! تجرُد من كل حظوظ الدنيا . كم مرة واجهت في حياتك موقفاً كهذا ولربما ردّت في نفسك الدنيا لسا بخير ! باختصار مارس العطاء في كل حياتك وستحظى يوماً ما بالطاف اللطيف الخبير .
أيضا لا يذهب بك خيالك بعيدا فتظن أن الذين يتحدثون عن جمال الحياة يعيشون حياة مخملية وشيئا من ترف المعيشة بل هم يألمون كما تألمون ويرجون من الله مثلما ترجون . ويرون في كل محنةٍ منحة ! وينتظرون فجراً مضيئاً بعد كل ليلٍ حالك وبلسماً شافياً عقب كل ألمٍ موجع !
أبث كلماتي راحة للبال وطمأنينة للنفس وسكينة للروح لعلها تمهد طريقاً وتنيراً درباً وتنشر عبقاً وتحيي أملاً !
عبدالرحمن مصلح المزروعي
مكة المكرمة
مقالات سابقة للكاتب