الكل يعلم أن أي مؤتمر يعقد يسبقه تحضيرات وترتيبات سواء إرسال خطابات أو إرسال رسل يتكلمون باسم الداعي للأعضاء الذين سيشاركون في هذا المؤتمر، أياً كان صغيرًا أو كبيرًا وعلى مستوى جماعات أو دول هذا أمر بديهي لذلك حينما أراد الله سبحانه وتعالى دعوة الناس لحج بيته المحرم قال لأبي الأنبياء إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ).
وبعد أن علم جبريل عليه السلام مناسك الحج كلها لأبينا إبراهيم أمره الله (أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ،: ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : يَا رَبِّ مَا يَبْلُغُ صَوْتِي ؟ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : أَذِّنْ ، وَعَلَيَّ الْبَلاغُ) الله اكبر وهل بعد قدرة الله قدرة وهل بعد إبلاغ الله بلاغ فحين أذن نبي الله إبراهيم بلغ أذانه بقدرة ربه مشارق الأرض ومغاربها فاستجاب كل من سمع النداء حتى النطف في أصلاب الرجال إلى يوم القيامة هذا أمر من ملك الملوك فهل بوسع سامع النداء إلا أن يستجيب لذلك ويلبي قائلاً (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ، وَالنِّعْمَةَ، لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ)
لذلك نرى ما أن يبلغ الشاب أو الشابة مبلغ التكليف حتى يتحرق شوقًا إلى تلبية نداء الرحمن بالحج وكم رأينا من مسلم مهما كان فقير، أو معدوم الحال يحاول توفير شيء من قوته وجمعه لسنوات طويلة في وإدخاره ما يعينه على مؤنة الحج برغم أن الله الرحيم بعباده جعل هذا الركن الخامس من أركان الإسلام الذي لا يتحقق أو يكتمل إسلام المرء إلا به جعله لمن استطاع إليه سبيلاً.
وبرغم ذلك يجاهد المرء بنفسه، كما أن الكثير من المسلمين يبيعوا حاجاتهم الضرورية كي يلبوا نداء الرحمن لذلك كافأ الله من يحج حجة لم يرفث فيها ولم يفسق أن جعله يرجع من حجه نقيًا طاهرًا من الذنوب كيوم ولدته أمه، الله أكبر ما أروع هذا الدين وما اجمله واحسنه أن طبقناه كما امرنا الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ونحن نرى هذا المؤتمر الإيماني العالمي يعقد في كل سنة مرة لا يدعى إليه أصحاب السعادة والجاه والسلطان فقط بل كل من استطاع أن يلبي النداء أصبح هو من أعضاء ذلك المؤتمر ولا تمايز ولا تفاضل، الكل يلبس لباس الإحرام رداء وازر ، والكل يقف في موقف واحد وفوق الكل رحمن رحيم إله واحد رب السماء ويتجلى سبحانه في ذلك اليوم ويباهي بهؤلاء الذين لبوا النداء ملائكته ويشهدهم أنه قد غفر لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر نتيجة لتلبيتهم لندائه وطاعة أمره سبحانه وتعالى.
لذلك يجب على المسلم في هذه الفريضة كما في كل الفرائض في الإسلام أن يتذلل لخالقه وإلا يحاول أن يميز نفسه عن إخوته الحجاج فالكل وقف هذا الموقف طالبًا غفران الله ورضاه وان يحاول المرء جاهدًا أن يكمل مناسكه على ما بينه الحبيب صلى الله عليه وسلم وأن حصل قصور جبره بذبح الهدي وأن لا يتعمد الحاج الإخلال ببعض المناسك ويقول في نفسه سوف أجبرها بالهدى والأضاحي فقد قال الله سبحانه وتعالى وهو الغني عن العباد (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ).
ويجب على كل من قدر الله له إتمام حجه أن يرجع إلى دياره متواضعًا متذللًا طالبًا بإلحاح العباد المستضعفين من ربه الغفور أن يتقبل حجه وان يتجاوز عن الخطأ هذه الأمور وغيرها هي من الحكم الكثيرة من فريضة الحج أما الشعارات وتصفية الحسابات في الحج فهذا ليس من الحج في شيء إنما هو تشويش لحجاج ليس لهم ناقة ولا جمل في أمور السياسة إنما جاءوا لتلبية نداء الرحمن الذي أذن به بأمر من ربه أبونا إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فكل من حاول تعكير صفو الحج فإن الله له بالمرصاد لأن هؤلاء ضيوفه ولن يسمح لأحد أن يمسهم بسوء لأمر ما في نفسه.
فاللهم تقبل من الحجاج حجهم وأرجعهم إلى بلادهم وأهليهم سالمين غانمين مغفوري الذنوب فإنك نعم المولى ونعم النصير.
“وصلى الله على نبينا محمد وعلى آل محمد وصحبه وسلم”
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب