عذرًا يا كُلّ العالَم!

الوطن ليس موطئًا من الأرض ترعرعت عليه.. ولا شهادة ميلاد تثبت مكان ولادتك.. ولا جواز سفر تلف به العالم مزهوًا بلونه وشعاره.. ولا علم تلفه على جيدك في يوم ميلاده.. بل وليس أنشودةً تتغنى بها وقت فراغك وذكرى سنوية تردد فيها كلمات الحب وأغاريد الفرح.

الوطن بمثابة الأم الحنون يحتوينا في كل حين، كل ذرة من ذراته تعني جزءًا من كياننا نَخَافُ عَلَيْهِ، نُغَارُ عَلَيْهِ، نَحْبَهُ وَنَبْرَهُ، نتدفأ بحضنه، ونعيش في ظلاله وربما يخالج هذا الشعور كل إنسان نحو أرضه ووطنه، لكن وطني ليس ككل الأوطان؛ فعلى ثراه مشى خير المرسلين وعلى أرضه تنزلت خير الرسالات.
وطن هو قبلة الموحدين، إليه تهفو قلوب المسلمين قاطبة وتتجه إليه خمس مرات طلبًا للهداية والمغفرة، وطن ضم المقدسات المباركة وعلى أرضه قامت أعظم حضارة قادها محمد صلى الله عليه وسلم فكانت رحمة للعالمين.

عذًرا يا كُُُُل العالم ! تحبون أوطانكم لا جناح عليكم.. تعشقون بلادكم لا تثريب عليكم.. لكنكم لا تملكون ثرىً أطيب من ثرى وطني؛ هنا الكعبة الغراء، هنا أول بيت وضع للناس، هنا زمزم خير ماء على وجه الأرض، هنا روضة من رياض الجنة وهنا حجر من الجنة ! هنا نزلت ( اقرأ ) فشع نور العلم والمعرفة، وانبثق نور الإسلام يملأ الدنيا هدايةً ورحمة، هنا وهنا فقط يجتمع شرف الزمان وشرف المكان، ومع هذا فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.

هنا توقف التاريخ مرارًا ليدون سيرة خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم بشيرًا ونذيرًا وسراجًا منيرًا والذي وقف على أطلال مكة مودعًا: ( والله إنك لخير أرض الله وأحب أرضٍ إليَّ ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت منك ). 

لا مزايدة على حب الناس لأوطانهم لكن تبقى هذه البلاد تتفرد بخصال لا يتنازع فيها اثنان ونزداد بها فخرًا وعزًا، إن أجيالنا الحاضرة في حاجة لمعرفة قيمة هذا الثرى الذي نعيش عليه وننعم فيه بالأمن ورغد العيش ( بلدةً طيبةً وربٌّ غفور ). إن فقد الأوطان لا يعوضه شيء، انظر لمن فقد وطنه وشرد منه، يفترش الأرض ويلتحف السماء يحن لموطنه حنين الأم لولدها وأنا وأنت نفترش الوثير ونتغطى بكل غالٍ ونفيس .

إن بعض المظاهر السلبية التي تصدر أحيانًا من البعض إعلانًا للفرح بذكرى اليوم الوطني لا تتناسب مع الوعي الثقافي ومع الجبهات التي يتعامل معها رجال الوطن يدافعون عن حياضه بالسيف والقلم يبذلون أرواحهم ودماءهم رخيصة دفاعًا عن مقدساتنا وأرضنا وحمايةً لديننا وأعراضنا.

إن من الجميل أن تتناسب احتفالاتنا باليوم الوطني مع حجم التضحيات التي يبذلها جنودنا البواسل حماة الدين والوطن على مختلف الجبهات تحيةً وتقديرًا وإجلالًا لكل جندي يقف على خطوط النار يحمل روحه بين راحتيه وينتظر إحدى الحسنين !

إن الوطن يحتاج منا الإخلاص في العمل والنزاهة في التعامل والأمانة في الأداء والبذل والتضحية والعطاء وتقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية، إن التزامك بالنظام تعبير صادق عن حجم حبك لوطنك وإن تمثيلك لوطنك خارج حدوده يعكس سلوكًا وحسًا وطنيًا عاليًا يعبر عن مدى تقديرك للمسؤولية وانتماءك الصادق لوطنك.

بقي أن نجلس مع أبناءنا نتحدث إليهم، نتحاور معهم، نصحح مفاهيمهم، ليدركوا قيمة الوطن ويستشعروا نعمة الأمن الذي نعيشه؛ ليقوى انتماءهم واعتزازهم بدينهم ووطنهم، ( ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت بها علي ) …

حفظ الله بلادنا وولاة أمرنا ووفقهم لخير العباد والبلاد.

عبد الرحمن مصلح المزروعي

مقالات سابقة للكاتب

8 تعليق على “عذرًا يا كُلّ العالَم!

ابراهيم مهنا

فعلا صدق الانتماء وتأكيد الولاء من أجمل مايحتفى به للوطن
شكرا أبا عاصم شكرا

عواطف الثلابي.

‏جزاك الله خير ،حب الوطن دعاء ان يستمر في توحيد وامان
ولي ملاحظه صادقه ارجو ان يتوقف الجميع عن ارتداء العلم يجعلونه ثوب كامل مكتوب عليه الشهاده تصاميم مخجله نشاهدها يجب أن تمنع حماية للذوق العام، او شراء كيكات تحمل شهادة الاسلام اشعر ان فيها امتهان لقدسيتها فيها اسم الله سبحانه وتعالى واسم خير البشر صلى الله عليه وسلم.
ضعوا اي شعار جميل يخص الوطن،مكانة الشهاده ان تعلو في السماء ولاتسقط ولاتمتهن بأي شكل سواء اكل او رقص بالملابس، بعيدين جدا عن فهم ان للشهادة مكانتها العظيمه ،وكيف يرى المسلمين هكذا منظر .. ،فالصحابه رضي الله عنهم ماتوا وهم يحمون رايه الاسلام ان تقع على الارض في غزوة مؤته ،واستشهدوا واحدا تلو الآخر ،وصلنا لمرحلة يجب العوده فيها للصواب ،حب الوطن ان تكون خير ممثل للإسلام بعملك واحترام عقيدتك
جميعنا نحب الوطن واخلاصنا لولاة الأمر شيء راسخ حفظ الله بلاد الحرمين وعشتم وعاش الملك سلمان ودمتم في خير وأمان.

علي الصحفي

جزاك الله خيرا أبا عاصم كلمات خرجت من القلب كما نظن بك
يا ليت الجميع يفهم الوطنية هذا الفهم
إن كان حب الأوطان غريزة فحب الوطن المسلم عقيدة وولاء وبراء فإذا كان وطنا مسلما به قبلة المسلمين ومهاجر خير المرسلين زاد هذا الحب قدسية
نسأل الله أن يديم امننا ويحفظ علينا ديننا ووحدتنا ويجنبنا سبل أهل الغي والفساد ووفق الله ولاة امرنا إلى ما فيه الخير والسداد للدين والبلاد والعباد
ونسأل الله أن يرد كيد من يريد كيدا بهذه البلاد في نحره وان يجعل تدميره في تدبيره

وضاح

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا على هذه المقاله
المواطنه انتماء وشعور بالمسوؤليه وبيعة في العنق ورفض للافكار المشوشه التى تسعى جاهدة لتفكيك اللحمه الوطنيه وعشق لتراب هذا الوطن ولاء وفداء وانتماء فما اجمله من شعور يتفق عليه الجميع
واتفق مع ما ذكرته الابنه الكاتبه عواطف الثلابي
من توجيه ونصح وتذكير وجزاه الله خير الجزاء
حفظ الله السعوديه وحفظ الله ولاة امرنا وادام الله عزه ونصره لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده

أ.نويفعة الصحفي

حب الوطن فطرة بشرية أقرّها الإسلام، و جعلها من الركائز الأساسية في بناء المجتمعات، ومنهجاً واضحاً للعمل الصالح وفعل الخير والتلاحم بين أبناء المجتمع، حب الوطن غريزة فطرية وضرورة شرعية، حيث جسدها الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما هاجر من مكة وكان شديد اللهفة عليها ..حب الوطن العمل بجد واجتهاد والمشاركة في البناء ..حب الوطن أن تعطي قبل التفكير ماذا وكيف ستاخذ ؟ ؟.. حب الوطن أن تكون ذلك المسلم الذي يعلم الناس الدين بسلوكه قبل اقواله ..و للوطن حق علينا احترامه والحفاظ عليه ..
حفظ الله لنا وطننا وزاده عزه وتمكين..
والشكر وفرا لك كاتبنا القدير بارك الله فيك ونفع بك وطنك ..

صامل عتيق الله بن غيث البلادي

اللهم آمين . أحسنت أستاذ عبدالرحمن وإلى الأمام دائماً

أحمد بن مهنا

قد أحسنت بما كتبت ، هذه مفاهيم يجب أن نعيها لتكون سلوكا من الجميع .
أجزم أن الجميع يحب الوطن ، لكن ليس الجميع يستطيع أن يتمثل حب الوطن سلوكا ، وليس الجميع يحسن أن يقول كيف يكون حب الوطن .
شكرا لك كاتب المقال الاستاذ الفاضل / عبدالرحمن المزروعي.

ابو راكان

شكرا اخي وحبيبى اب عاصم على هذا المقال الطيب وربنا يوفقنا ويوفقك لما فيه الخير للعباد والبلاد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *