بين ابن النفيس وبروكرست

“و ربما أوجب استقصاؤنا النظر عدولاً عن المشهور والمتعارف، فمن قَرَعَ سمعه خلافُ ما عهده فلا يبادرنا بالإنكار، فذلك طيشٌ. فرُبَّ شَنِعٍ حَقٌّ، ومألُوفٍ محمودٍ كاذبٌ. والحقُّ حقٌّ فى نفسه، لا لقول الناس له”.

هذا الكلام النفيس لابن النفيس نقله المثير للجدل الروائي والمفكر المصري يوسف زيدان في مقدمة حديثه عن الكتاب الأكثر شهرة في مصر في الربع الأول من القرن الماضي الإسلام وأصول الحكم لعلي عبدالرازق ، وكتاب عبدالرازق هذا ليس هو موضوع مقالتي والحق أنه يستحق المقال وأكثر..

يوسف زيدان قدم لهذا الكتاب وحلل موضوعاته في فقرته الأسبوعية رحيق الكتب التي يقدمها مع الاعلامي عمرو أديب .. وأشير إلى الى أن هذه الفقرة الثريّة توقفت بتوقف البرنامج منذ زمن غير بعيد.

أعود لكلام ابن النفيس معلقاً عليه بكلام يكاد يكون نقيضه . ولأن الضد يظهر حسنه الضد أقول كان بروكرست بحسب المثيلوجيا اليونانية رجلاً مهووساً ، فهو يستقبل المسافرين في بيته ليناموا على سريره..

أما هوسه فهو أن يتناسب مقاس هذا  السرير مع حجم النائم ، ولو اضطر لمط القصير وقطع أطراف الطويل !!

وقريباً من هذه الأسطورة هناك حقيقة مؤسفة وملاحظة ، وهي أن من الناس من يحمل سرير بروكرست في رأسه ويمارس هوسه على الأفكار والناس والحياة..

فكل فكرة جديدة أو رأي لم يعتاده يمارس عليه عقدته البروكرستيه بالتمزيق والرفض دون محاولة لفهمه ، فضيق الأفق وصاحب التابوه غير مستعد لمراجعة أفكاره لأنه لا يريد التفكير ولا يطيقه فهو إن استمع فلا يسمع إلا ما يوافق ما يعتقد صحته وإن قرأ لا يقرأ إلا ما يؤيد فكرته ويعززها في نفسه وعقله ، فيبقى حبيس أفكاره و تبقى أفكاره دائماً على مقاس سرير عقله !!

ولا أظن أنني بحاجة للتعليق أكثر على كلام ابن النفيس الذي افتتحت به المقال لأن الإنسان أمام طريقين في التفكير ، طريقة بروكرست وجمود الفكرة ، و طريقة ابن النفيس والانفتاح على الأفكار والآراء واستيعابها !!.

 

مروان عبدالعليم الشيخ

مقالات سابقة للكاتب

3 تعليق على “بين ابن النفيس وبروكرست

محمد الصحفي

أحسنت في الفكرة والطرح
قريش حينما جاءها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بعقيدة التوحيد وقفت في وجهه ورفضت الفكرة وتشبثت بما كان عليه الآباء والأجداد من ضلال وظلام.
المؤمن لا يخاف من شيء لأن لديه قاعدة صلبة من المباديء والقيم السماوية يستطيع أن يقيس عليها كل ما يرد عليه من أفكار ونظريات ومستجدات فما وافقها أخد به وما عارضها رمى به عرض الحائط.
لذا بحمد الله لم تنجح دعوات العلمنة والإلحاد والتحرر في بلادنا.
فالحمد لله الذي أخرجنا بنور الإسلام من الظلمات إلى النور.

فؤاد الحميري ..

عودًا حميدا.. لرجوعك لكتابة مقالاتك المميزة..
لاعاد تطري، الغيبة..

أحمد بن مهنا

أعتقد أن هذا الأمر صفة تلازم البشر !
(لو يشاء الله لهدى الناس جميعا)
و صاحب العقل الصغير يستصغر كل شيء ويرى أنه هو الكبير الذي يعلم بكل شيء ، فيخطئ ويصوب ..
مقالك جميل ، وفقك الله أ. مروان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *