أقسم يميناً بالطلاق أن لا يقص أحد من أفراد قبيلته (إقامة الحد الشرعي على القتلة)، مستخدماً في ذلك كل ما يملك من أموال وأبراج وحتى لو اضطر الى بيع إحدى كليتيه. عجباً!!
هذا الخطاب غير المسئول من أحدهم (وهو بالطبع يمثل نفسه، ولا يمثل الأخيار من قبيلته وهم كثر) ، أغرى سفلة الناس وأوباشهم للاستهتار بدماء الناس وكسر القوانين بحد السكين، هذه العبارة انتشرت في وسائل التواصل انتشار النار في الهشيم ، مع أن المفترض الأخذ على يديه وسؤاله وتجريم فعلته ، والبحث في مصادر أمواله التي يتغنى بها وجعلها ستاراً يحمي من لا يستحق الحماية. ولكن!
تلك توطئة لما أصبح يعرف الآن ب”مضاربة الحمدانية” نسبة لحي الحمدانية بمحافظة جدة. وأياً السبب في تلك المضاربة ، إلا أنها كانت ضربةً لكل القيم والمبادئ والأخلاق التي تربى عليها مجتمعنا.
ومن أهم إفرازاتها أنها أكدت أن بين الكثير منا والقدرة على الحوار وحل المشكلات أمداً بعيداً فنظرة عن قرب من سيارة أحدهم تجدها قد جهزت بما خف وزنه وكبر خطره، إماً سكيناً وإما عصاً غليظة يدفع بها تحت ركن خفي بسيارته، تحسباً لحوار ساخن قد يشارك فيه بالحي أو في الطريق للعمل أو المدرسة، إذ لا وسيلة أخرى غير هذه الوسيلة، والضامن هو هياط من هنا ومن هناك بحاجة إلى يد حاصدة تجتث جذور هذا الفكر الدخيل الذي لا يقيم لحرمة المسلم وزناً.
ما الذي أوصلنا لهذا الخط المتدني في حل مشاكلنا؟ إنه حوار ديوك لا ينتهي إلا بموت أحدهما والذي لا يمكن أن يوصلنا إلا لمثل هذه النتائج. ابحثوا معي هنا:
في داخل الأسرة هل نتعلم كيف نتحاور مع أبنائنا ونعلمهم كيف يتناولون مشاكلهم مع بعضهم داخل الأسرة نفسها؟ أم أننا شغلنا بالمهم (الأكل والشرب والملبس والسكن) عن الأهم (القدرة على التحاور والتفاهم وحرمة الدماء) أظن أن النتيجة أقرب إلى الصفر- إلا من رحم ربي-!
في الإعلام، يكاد يجمع الناس على أن (الإعلام هو تزويد الناس بالمعلومات الصحيحة)، لكن هيهات لقد تمكن الإعلام من أخد مكان الصدارة في التوجيه وبناء القيم والآراء، ولكن مع شديد الأسف أسس للعنف والجريمة وقلب المفاهيم السليمة رأساً على عقب!
في التعليم (مللنا الحديث والكتابة فيه) وهو المطبخ الذي يعد فيه طلاب اليوم تجد تعاملاً جباراً من(بعض)المعلمين في إدارة شؤون طلابهم إذ لا صبر ولا أناة في تربية وتعليم هؤلاء على فن الحوار والمناقشة والمناظرة والتمرن عليها، انظروا الى فترة الانصراف (قابلني في الصرفة إن كنت رجال)! تجد تطبيقاً عملياً لطرقنا في حل مشكلاتنا وخلافاتنا الشخصية!
هناك فئة رابعة لا تقل تأثيراً عما سبق ذكره وهم فئة اتفق على تسميتهم أهل الهياط فهم في كل واد ومسلك غير قويم يهيمون بهياط الكثرة والشجاعة الورقية والتلفزيونية مدحاً في النفس وذماً في الآخرين، وهؤلاء أعطوا فرصاً للظهور في الإعلام فانتشرت عدوى الهياط من خلال قنوات الشعر ومزايين الإبل، فتردى كثير من الناس في هذا الوحل والمستنقع الأخلاقي الذي نعايش نتائجه الآن!
أين الحل؟
الحل الأمني مهم جداً واعطاء الإذن بتفريق المضاربات بالقوة وبأدوات (يعرفها أصحاب الاختصاص) دون القتل، ممكن جداً. لكنه لا يكفي لوحده، إذ لابد من توافر جهود جهات أخرى من جهود أسرية، وتعليمية، واعلامية، وجمعيات شبابية، ورياضية ،من دور في افشاء مبدأ الحوار وتقبل الآخرين، فالشديد ليس بالصرعة ولكن من يملك نفسه عند الغضب كما أخبر بذلك سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام.
محمد بن سعيد الصحفي
محاضر الإدارة والقيادة في الكلية التقنية بجدة
عضو المجلس البلدي بمحافظة خليص
مقالات سابقة للكاتب