سؤال يطرح نفسه بقوة وبتعجب! متى تتقدم أمة تفرح بكل خميس كفرحتها بأحد العيدين لا لأن الجمعة عيد الأسبوع ويأتي بعد الخميس بل وبكل أسف لأنه يعقبه إجازة.. وعجب والله عندما تكون الأمة لا تعمل إلا لتوفير الأكل والشرب واقتناء الكماليات وليس لديها طموح.. ما يجعل من هم حولها يشيرون إليها بالأصابع على أنها أمة يقتدي الآخرون بها لتميزها ودأبها في الرقي إلى كل ما هو جميل ومفيد للبشرية، عجب والله عندما نرى المدرس يدخل إلى حصته يتساءل بتثاقل قبل أن تبدأ الحصة متى تنتهي ؟ يلقي الدرس وكأنه عبئ ثقيل ينوء به كاهله يريد التخلص منه وإلقائه بأية طريقة ووسيلة كانت.
وعندما يرى الموظف أن وظيفته ترتبط بالراتب والحوافز والعلاوات يعمل.. وكيف يتقدم مجتمع أو أمة هذا شأنها وديدنها؟ ولو تدبرنا جيداً نظام البصمة المعمول به في الدوائر الوظيفية لعلمنا أننا أمة مقيدة ويجب أن تساس بالترهيب حتى تؤدي ما عليها من واجبات هل من الممكن أن نرتقي إلى أن نأتي إلى أعمالنا ووظائفنا كما نأتي إلى تجارة نمتلكها ونحرص كل الحرص على أن تنمو وتزداد؟ أم أن هذا من المستحيلات كالغول والعنقاء والخل الوفي؟
أن حبنا للراحة والدعة يجعلنا دائما نعتمد على الآخرين كي يقوموا بأعمالنا نيابة عنا ننتظر يوم صرف الراتب على أحر من الجمر، ونستقبل أول يوم من الدوام بهم وحزن وتثاقل نحمله إلى أعمالنا ونطلق النكات على أول يوم من الدوام لندخل السرور على أنفسنا بأن غدًا يوم جديد نباشر فيه أعمالنا التي قبضنا عليها الأجر وواجب علينا أن نؤدي ما أخذنا الأجر عليه على الأقل كي نطمأن أن ما أخذناه لن نحاسب عليه بأننا أخذنا ما ليس لنا ولقد توقفت كثيرًا عند هذه العبارة (هلا بالخميس ) التي جعلت الآخرين يعيروننا ويرموننا بسببها مجتمعات كسولة خاملة لا تجيد سوى الخرجات والاستراحات والعزائم والمأكل والمشرب واللهو ولعب الورق إلى آخر ساعات الليل ثم ننام ونصحو متثاقلين لتأدية فرائضنا هذا إن قمنا بها.
ما معنى (هلا بالخميس) أنها عبارة تجسد الهروب من وظائفنا وكأنها غول يوشك على افتراسنا والقضاء علينا، متى نصل إلى الرقي الذي يتمنى معه المعلم أن تمتد الحصة لأكثر من المدة الزمنية التي هي عليها الآن لكي يستمتع بإلقاء الدروس وهو يحس بالنشوة والفرح والغبطة عندما يلقي درسه على الطلاب ويرى في اعينهم أنهم مقبلون عليه بنهم وأنه يلقنهم دروسًا في المثابرة والجد والاجتهاد؟
متى يشعر الموظف أنه يؤدي عمله وهو مغتبط مسرور كونه في هذه الوظيفة أو العمل الذي يتمناه كثيرٌ ممن لم يقدر له أن يمتلك تلك الوظيفة لا لأجل الراتب فقط بل لأنه ينتظم في سلك كوكبة تبني وتعلي البناء وتزاحم الأمم في النماء والتقدم لأمته ووطنه ومجتمعه، وأنا اتحدث بهذا الحديث لا أستثني نفسي ابداً من كل ما ذكرت آنفاً وأرجو صلاح نفسي اولاً وصلاح كلِ اخٍ لي في الإسلام والمجتمع والأمة التي من صميم عقيدتها التناصح فيما بينها.
كم اتمنى أن نغير نظرتنا في الخميس إلى أعلى من تلك النظرة التي تجعلنا أمة تهوى الخميس لأنه يبشر بإجازة الأسبوع فقط ؟ متى ندرك أننا في الانخراط في أعمالنا أننا في عبادة كما نؤدي عباداتنا وطاعاتنا لخالقنا أن قمنا بها على أكمل وجه وأن الله يكتب لنا الأجر والمثوبة حين تأديتنا لتلك الواجبات ؟ أننا حقًا يجب أن نبدأ من جديد نربي جيلاً يرى العمل عبادة سامية عندها تتغير نظرتنا ولهجتنا ووصفنا وقولنا (هلا بالخميس) إلى غاية أرقى وأسمى وأرفع مما نحن عليه الآن أتمنى من الله أن تكون الرسالة قد وصلت ووجدت قلوباً واعيةً وآذاناً صاغيةً وصدوراً رحبة تتسع للنقد الهادف وتقبل الرأي الآخر بكل شفافية وسعة افق.
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب