أرسل لي أحد الأصدقاء مقطع فيديو لم يتجاوز الخمس دقائق ولكن يعلم الله انه اختصر مئات بل الآف منالكتب والخطب والمحاضرات التي ألفت وقيلت في الرحمة والحنان الذي وضعهما الباري جل وعلاه في قلب الأم ولو اجتمع كل الممثلين والفنانين وحاولوا تجسيد ذلك المشهد في عمل درامي فلن يستطيعوا بلوغ معشار التأثير على المشاهدين مابلغه المشهد العفوي المهيب.
وهذا المقطع مفاده أن أحد الرجال في إحدى الدول العربية قد ألقى القبض عليه لسبب ما وأودع السجن وحكم عليه بالإعدام ولأن أجله لم يحن بعد ولأن آية نفس لا تموت حتى تستوفي اجلها ورزقها، فقد أطلق سراحة بعد مكوثه في السجن عشرين عاماً ولما عاد إلى أهله استقبلته اخته وأبناؤها عند وصوله إلى القرية ثم ذهب إلى بيته وفيه أمه العجوز التي كانت تنتظره كل تلك المدة ثم ما أن رأته ومع أول عناق بينهما فقدت الأم اتزانها وغشي عليها.
ونحن حقاً لا ندري مما غشي عليها أمن الفرحة و إضاءة نور الأمل من جديد الذي ظنته قد انطفى وهي تنتظره عشرين عاماً ؟ أم من الصدمة المهولة وتحقق دعائها ورجائها وأن الله المطلع على حزنها أنزل رحمته عليها وعليه وكانت على استعداد أن تنتظر أعواماً واعوام حتى أن لم يرجع فهي تعيش على أمل أن يعود لها ذات يوم بمعجزة إلهية وهي على ثقة بربها الرحيم كل ذلك ممكن وغير ذلك ممكن……
ولو فقد كل البشر الأمل وداخلهم اليأس فستظل الأم هي الإنسان الوحيد الذي لم ولن يفقد الأمل في رجوع فلذة كبدها وكم وقفت متحيراً لا أحير جواباً وتساءلت في صمت وذهول عن مدى الحكمة من هذه القصة وماذا نفهم من قصة الرحمة هذه فكل أمور ربنا فيها حكمة ظاهرة أو باطنه علمناها أو غابت عنا ولكن الأكيد أن هناك حكمة…..
فقذف في روعي وأدركت شيئًا يسيراً ركز عليه عقلي طوال المشهد المهيب الذي ينضح بالرحمة والرأفة والحنان والحب وكل كلمة قيلت أو تقال في هذا المعنى، نعم فهمت شيئاً واحداً وهو أن خالق هذه الأم والذي وضع كل كمية هذا العطف وهذا الحنان وهذه الرحمة في قلبها الذي لم يتحمل الكمية الهائلةمن الحنان فغشي عليها ليس من رؤية الولد بل غشي عليها من الكم الهائل من الرحمة التي لم تستطع تحملها فإنها رت تحت وطأته، والسؤال الذي أريد أن اطرحه هنا ماذا يظن المؤمن بالله الذي خلق قلب هذه الأم وسواها من الأمهات في كل مخلوقات هذا الكون ما يرى ومالا يرى كيف تكون رحمته بعباده.
الله الذي أنزل جزاءً يسيرًا من رحمته إلى الأرض وبهذا الجزء اليسير يتراحم كل الخلائق أما أنا مع علمي القاصر فأني لدي أمل في الرحمن الرحيم الذي عمت رحمته كل الأكوان وهذه الصورة تجسد معاني الرحمة ولله المثل الأعلى سبحانه في صورة هذه الأم وسواها من الرحماء الذين إذا رأينا رحمتهم تحيرت عقولنا حتى لا نكاد نعي أو نفهم كنه كل هذه الرحمة وهذا العطف إلا أن خالق هؤلاء أكثر رحمة بكثير منهم فترتسم على وجوهنا وشفاهنا علامات وابتسامات الفرح أن لنا رباً هذه صفته وكفى به رباً وخالقاً رحيماً عطوفاً رؤوفاً ودوداً محباً لعبادة….
واخيرًا أقول لكل الناس والشباب أخص بالقول أن لديكم كنوزاً أرجو منكم الاحتفاظ بها ومراعاتها نعم أنها الأم فمن كانت له ام٣ فليحافظ على ودها وبرها فإن البركة هناك حيث تجلس الأم وحتى ولو كانت طريحة الفراش فإن البركة تظلل ذلك البيت وإياكم ثم إياكم عصيانها أو التمرد عليها بسبب رحمتها بكم وعطفها عليكم بل على العكس من ذلك فهذا يجعلكم تزدادون طاعة لها وبرًا لنيل رضى الله وبركته وتوفيقه فإنه مقرون برضاها عنكم أن أردتم سعادة الدارين والجنة التي عرضها السموات والارض …….
فصلى الله على من دلنا عليه ﷺ وجزاه الله عنا خير ما جزا نبي عن قومه ورسولا عن أمته.
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب