تمر على الإنسان مواقف تحفر نفسها في ذاكرته تسيطر على وجدانه وتحتل مساحة من تفكيره وتأملاته!
في يوم جميل من أيام محافظة خليص والذي تم فيه افتتاح النقطة الرابعة من نقاط مبادرة درب الأنبياء في وادي ستارة ، هذه المبادرة التي احتضنتها المحافظة وهيأ لها محافظها الكريم أسباب الدفء لتنمو وتترعرع وتثمر تحت رعايته وبمشاركة مجتمعية قل نظيرها ؛ في هذا اليوم والطقس رائع والبشر يملأ الوجوه وشباب مركز وادي ستارة يشعلون المكان بالترحيب وعبارات المحبة والود وهم يقومون بتجهيز مكان الحفل أقول والحال كذلك وصل سعادة المحافظ وبدأ الحفل الخطابي كنت جالسًا في الصف ويجلس بجانبي معتمرون من العراق الشقيق ، كان الذي بقربي رجل ناهز الثمانين من العمر احدودب ظهره كنخيل البصرة ! يلبس عمامةً ( شماغًا ) أحمرًا ذكرني بدماء شهداء العراق الذين قضوا دون ذنب ! مرتديًا عقالًا عربيًا أسودًا كسواد مستقبل ذلك البلد في عيون أبنائه ، سألني ذلك الشيخ ما هذا ؟! قلت له : عمل إنساني نقدمه لضيوف الرحمن ولوجه الله تعالى ، كلنا نتعاون فيه ويفتتحه محافظ المحافظة ، سألته من أي العراق أنت تنهّد عميقًا وقال: من صلاح الدين !! يا إلهي من صلاح الدين ؟! قال: نعم ومن تكريت !! سمعت كلمة تكريت فإذا مفعولها كـ ( الكبريت ) في صدري ألمًا على ماضٍ كان سبب مصائب الحاضر .
قام الشيخ رجاء الله السلمي ملقيًا كلمته فلما قال عن الحجاج والمعتمرين والزوار: هم وفد الله، هم ضيوف الرحمن ، هل نبخل عليهم بشيء؟!! لا والله لا نبخل!.
عندها تحدّرت دموع ذلك الشيخ فإذا بها تجري على خده كجريان الرافدين في صحراء العراق !! ياااا الله !! أمسكت يده وقلت له: هوّن عليك إنما نحن إخوة لكم وما نفعله واجب علينا ، رفع يديه إلى السماء وقال بلهجته العراقية التي تتدثّر بالحزن: ( الله يبارك بيكم وبأرضكم ) .
والله ما أغلاها من دعوة جاءت من قلب شيخ ترك وطنه وأسرته ولبّى نداء الله زائرًا بيته العتيق.
بعدها قدّم سعادة المحافظ الهدايا للمعتمرين وكان منهم الدكتور الأكاديمي والطيار السابق ؛ فلا تسأل عن سعادتهم وسرورهم وهم يرون هذا العطاء والبذل من أطياف المجتمع ومن الدوائر الحكومية والجهات الخيرية وكل ذلك تجسيدا لقيمة المبادرة التي نذرت رسالتها لخدمة ضيوف الرحمن وقاصدي الحرمين الشريفين .
وبعد أيها القراء فإن بلدكم مبارك بدعوة أبيكم إبراهيم وبجهود حكومتكم الرشيدة وبكم أنتم أيها الشعب المضياف الكريم وهل هناك أنبل من إكرام ضيوف الرحمن ووفده ؟!
هل هناك أجل قدرًا وأرفع منزلة من أن تهب نفسك ومالك ووقتك خدمة للزائرين الملبين دعوة ربهم سبحانه وتعالى ؟!
أرى في شباب المحافظة الخير الكثير والمبادرة للأعمال النافعة التي يشار إليها بالبنان ، هاهو ذا محافظ خليص الدكتور فيصل الحازمي لا أجده في مناسبة أو محفل أو لقاء إلا ويثني على مجتمع خليص وعلى شباب خليص ويفاخر بهم بل ويتحدى بهم المعوقات لثقته في قدراتهم ولإيمانه بأن شباب المحافظة يراهن عليهم في عظائم الأمور .
أنتم لها يا مجتمع خليص شيبًا وشبانًا رجالًا ونساءً وأطفالًا، فخليص بدعمكم وبذلكم ستستمر في الإبداع والتألُّق ، نعم نحن نستطيع.
مفلح مطلق الصاطي الحربي
مشرف تربوي بمكتب التعليم بمحافظة خليص، عضو المجلس الاستشاري، وعضو اللجنة المنظمة لمبادرة “درب الأنبياء”.
مقالات سابقة للكاتب