يا ترى من هي أم ياسر؟ أو كما يحلو لبعض من يعرفها أن يسميها ( خنساء ) هذا العصر ..
إنها أختي “زينب بنت يحيى” .. تلك المرأة التي فقدت أبناءها الثلاثة في عمر الزهور .. نعم فقدتهم واحداً تلو الآخر ، تفجع بواحد وما أن يكاد جرح حزنها عليه أن يلتئم فإذا بالآخر يفجعها بموته ثم يتلوه الذي قصم ظهرها بالفعل فأقعدها الحزن عليه ..
أي جبلٍ من الصبر هي! .. كلما تفكرتُ في أمر فواجعها حتى أجزم أن أقوى الرجال لا يستطيع أن يتحمل ما تحملته تلك المرأة الصابرة .. أنظر إليها فأهتز حزناً عليها وهي تتنقل بين أسرة المستشفيات ولا يكاد ذكر ابنها الأخير ياسر يفارق لسانها هي وابنتيها المكلومتين ..
كلما حادثتها فإذا بها تنادي بياسر وتقول لي يا أخي لا تؤاخذني إن ناديتك بياسر فإني والله وكأني أرى كل الناس أمامي اسمهم ياسر .. ولا ألومها أبداً وبدون تردد أعطتني خواتم ياسر وقالت لي يا أخي بربك ارتدِ هذه الخواتم فقد خلعوها من يده حين غسلوه الغسل الأخير .. وقالت لي: “إن ياسر كان يتمنى أن يكون مثلك”..
تتكلم عن ياسر وكأنه موجود لم يرحل .. ولقد أسالت مدامعي حين قالت هي وبناتها: “والله لقد أحسسنا باليتم بعد موت ياسر” ، وكل يوم أتألم وأنا أنظر إليها وأقول يكاد حزنها على ياسر أن يودي بها لولا لطف الله بها وبابنتيها ..
شيء في البيت يذكرها بياسر ، كل ركن ، كل زاوية ؟ كل منعطف يؤدي إلى المنزل يذكرها بفلذة كبدها وأصبحت أخشى عليها من انفطار القلب بعدما تحمل ما تحمل من أسى وحزن وكأني بها وهي تتحدث عنه قد اجتمعت كل أحزان الثكالى منذ فجر التاريخ إلى اليوم ، فهي تنادي كل من رأته من أبناء إخوتها بياسر .. فهي تعلم كم جلس معهم وتسامر معهم وضحك ولعب معهم .. نعم تقربهم إلى صدرها وتشم فيهم رائحة ياسر فأي صبر مُنحت أم ياسر؟ لكننا نعلم علم اليقين أن الله لا يبلي إلا بعدما يدبر لعبده مخرجاً من بلائه ..
تعلمنا منها الصبر والوقوف على الأقدام من جديد بعدما ضربتنا الأيام ضرباتها الموجعة المؤلمة لكي يتزعزع إيماننا ويقيننا ولكن هيهات ثم هيهات أن نهزم ..
وفي هذه اللحظات التي أكتب فيها هذه الكلمات هي ترقد على السرير الأبيض في مستشفى النور بمكة ، وقد هدها المرض وأيضاً هي صابرة تردد دائماً:”أنها ترتاح إذا رأتنا نحن إخوانها أمامها” ، لذا أحرص كل الحرص أن أكون بجانبها لكي أعطيها الراحة التي تراها عند رؤيتنا ..
إن الله الحليم اللطيف هو أعلم بها وأرحم بها منا ، وإني لأجأر بالدعاء أن يعجل لها الشفاء وأن يربط على قلبها ويجبر كسرها فإنه القادر على كل شيء وهو الذي يقول للشيء كن فيكون .
إبراهيم يحيى أبوليلى
مقالات سابقة للكاتب