تظل المجتمعات في وئام ووفاق حتى تجتاحها إحدى آفات البشر، فتفت في عضدها، وتشتت شملها، ولا تتركها إلا ونزعت منها ما كانت تنعم به.
ولعل من أشد آفات البشر ضرراً آفة نقل الكلام، فكم من أواصر مودة قطعت، وكم من بغضاء أعقبت، وكم من بيوت هدمت، إنها أخطر آفات اللسان، وأوسع مداخل الشيطان.
ثمة حقيقة يابسة أن آفة نقل الكلام جامعة لكل خلق رذيل، فمن رحمها تولد النميمة والوشاية والغيبة والبهتان، وكلها أمور تؤدي إلى إحداث الوقيعة، وإيقاد نار الضغينة.
لقد أبتليت بعض المجتمعات بحاملي الحطب الذين ما اقتربوا من مودة إلا أفسدوها، ولا من عداوة إلا جددوها، ولا من جماعة إلا بدَّدوها، هم بحق شرار الناس كما أخبر عنهم الرسول ﷺ في قوله: ” ألا أخبركم بشراركم؟ المشاءُون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون للبُرّآءِ الْعَنَت”. وقد بَيَّنَ الله سبحانه وتعالي لعباده بَعْضًا من خصال شرار الناس، قال تعالى: ” ولا تطع كل حلاف مهين** هماز مشاء بنميم** مناع للخير معتد أثيم** عتل بعد ذلك زنيم”.
إن نقل الكلام بين الناس يُعد من الصفات الذميمة الممقوتة شرعاً وعرفاً، ويُنظر لصاحبها بأنه خاوياً من الشهامة والمروءة، فهو إن علم خيراً أخفاه، وإن إطلع على شرٍ أفشاه، وإن لم يجد شيئاً عمد إلى تحريف الأقاويل وترويج الأباطيل، فيكون في ذلك إيقاعٌ للعداوة بين الناس، ودقٌ لإسفين الكراهية بين شرائح المجتمع، وما من مجتمع أصغى إلى مثل هؤلاء إلا وكان التشرذم مصيره.
وما يزيد الأمر ضغثاً على إبّالة أن تتفشى آفة نقل الكلام في بيئة العمل، فتلوثها أيما تلوث، حيث تعمل على زيادة حالة الإحتقان والصراع داخل دائرة العمل، لأنها تقوم في الأساس على تشويه سمعة الآخر والحط منه، مما يؤدي حتماً إلى تدمير العلاقات الإنسانية بين الزملاء، فينعكس ذلك سلباً على جودة العمل المقدم، ناهيك عن الضرر الوظيفي الذي يلحق بالموظفين المُوشى بهم.
وبسبر حال ناقل الكلام، فإننا نجد حاله لا تخرج عن ثلاث علل أصابته إحداهن، وهي التي في الغالب وراء قيامه بفعل “أم جميل”، أولاهن أن يكون الشخص من النوع الذي يستمتع بإثارة المشاكل بين الناس، ولتحقيق ذلك يوظف قدراته في الإقناع وقولبة الكلام بما يخدم الوصول إلى بغيته، وهذا ناجم عن مشكلة نفسية يعاني منها، وثانيهن هو نقص الوعي لذلك الذي ينقل حديث الآخرين وأخبارهم على وجه التسلية دون إدراك لما يمكن أن يحدثه، فهو للسذاجة أقرب من غيرها، أما آخرهن ذلك المقتات من وراء نقل الكلام، يمشي بالنميمة بين الناس من أجل تحقيق مآرب شخصية، ويعمد للوشاية طمعاً في مكاسب وظيفية، ويقع في الغيبة تملقاً لأصحاب المسئولية، ولا يخلو الأمر لديه من دوافع إنتقامية.
وأختتم ما بدأت بدعوة أفراد المجتمع إلى الوقوف صفاً واحداً في وجه زارعي بذور الفتنة والفرقة، وعدم السماح لهم بتمزيق نسيج العلاقات الإجتماعية.
سامح عبدالرحيم الصحفي
مقالات سابقة للكاتب