خلال خدمتي الممتدة لـ ١٧ سنة في التعليم الحكومي والخاص وجدت ظاهرة واضحة للعيان بين مجتمع المعلمين والمعلمات وهي دفع مبالغ مالية من رواتبهم الخاصة على موادهم الدراسية وعلى طلابهم وطالباتهم ، مهما إختلفت البيئة سواء في المدن أو القرى أو الهجر من أقل المدارس طلاباً إلى أكثرها طلاباً نجد أن هناك معلمون ومعلمات يقتطعون جزء من رواتبهم للإنفاق على التعليم وهم يعلمون أن ما يدفعونه لن تقوم إدارات التعليم أو الوزارة بالتعويض لهم. وهنا اتساءل كمعلم لفهم لماذا نفعل ذلك ؟ واتساءل كأب عندما يأتي أبني أو بنتي من المدرسة ومعه هدية أو معها هدية ويقولون هي من الاستاذ فلان أو الاستاذه فلانه، لماذا يفعل معلمو أبنائي ذلك؟
هذه ليست ظاهرة محلية بل هي ظاهرة عالمية وعلامة مشتركة عند أغلب المعلمين المبدعين ومن أهم اسباب هذه الظاهرة هو أن المعلمين يحبون أن يكونوا جزءًا من تطور وتقدم شخص ما، ويحبون معرفة أنهم أدّوا دورًا مهمًا في حياة طلابهم، إنهم يحبون أن يتم تذكّرهم بما قدموه من مساهمات ساعدت في عملية التعليم ليس على المدى القصير بل المتوسط والطويل.
إنّ 73% وفقا للاستطلاع الذي أجرته الجمعية الوطنية للتعليم لحالة المدرس في المدارس العامة الأمريكية بين عامي 2000 و 2001 – أنهم دخلوا هذا المجال “للعمل مع الشباب”، لكن عندما يقول المعلمون المبدعون أنهم يريدون العمل مع الشباب، فإنهم لا يتحدثون عن الشباب في حد ذاته، هناك العديد من الطرق للعمل مع الشباب الذين ليسوا بحاجة إلى سنوات طويلة من التعليم الجامعي والأجور المنخفضة نسبيًا. أن ما يحبونه حقًا هم “المتعلمون”. أي بالطلاب والعملية التعليمية للطلاب
إن التصور المشترك لدى هذه الفئة من المعلمين هو ( الاستثمار في الإنسان) وإن اختلفت المسميات في المجتمعات.
وهنا يبرز سؤال مهم : من الممكن الاستثمار في الطلاب بدون دفع مبالغ عالية. لماذا المال تحديداً؟
لعل الجميع قرأ قصص عن معلمين ومعلمات دفعوا مبالغ كبيرة فهذا جهز فصله بالكامل بمبلغ ٣٠ ألف و معلمة جهزت مختبر بمبلغ يفوق مائة ألف ريال والكثير من القصص الرائعة المؤثرة عن المعلمين الذين ينفقون أموالهم الخاصة على تدريس الطلاب وعلى المنهج أضف لذلك الجهد البدني والذهني خلال عملية التدريس داخل الفصل وهذا يوضح نقطة مهمة وهي:
يهتم المعلمون بدرجة كبيرة بجودة تعليم طلابهم لذلك يضيفون للجهد البدني والذهني الجهد المالي
ينفق المعلمون نصف راتب سنوي على المواد والادوات الخاصة بموادهم الدراسية، حيث يدرك المعلمون المبدعون أن هذا جانب واحد فقط من مشاركتهم الوجدانية في مهنة التدريس وهو ما يحقق لديهم الغاية الكبيرة وهي تطوير الإنسان
على سبيل المثال ينفق المعلمون في امريكا في المتوسط 443 دولارًا من أموالهم كل عام على مواد الفصل – 470 دولارًا في المدارس الكبيرة. هذا بين عامي ٢٠٠٠-٢٠٠١
المعلمون يفتخرون بالإنجازات الأكاديمية لطلابهم وفي الغالب سعداء بأنهم استثمروا شخصيًا في نموهم وتطورهم .
المعلم الذي ينفق أمواله لتطوير الطلاب في الغالب تجده يهتم بهم بدرجة كبيرة نفسياً وعلمياً وهو يعتبر المال مجرد مشاركة وجدانية في سبيل تطوير طلابه
في الختام :
أكثر أمر مقلق في التعليم عالمياً هو نقص المعلمين المبدعين حيث أن المعلمين المبدعين لهم تأثير على الطلاب وفي نهاية المطاف لهم تأثير على المجتمع.
فريد نافع الصبحي
مقالات سابقة للكاتب