بصفتي مواطن من أبناء هذه البلاد الشاسعة ولله الحمد أتابع الأخبار بشكل متواصل داخل مجتمعي و فيما يخص أنباء الصحراء فالخطب والله بات مبكي , فكم من مفقود تم إيجاده جثة متحللة جزئيًا سواء أعلنت عنه جمعية غوث أو جمعية عون آخرهم ذو الخمسين ربيعًا “خشمان العتيبي” رحمه الله ولا أنسى الأخوين اللذين لم يكشف عن أسمائهم في براري العطيلية الذين ضاع أحدهما فذهب الثاني ليبحث عنه فضاع هو لآخر ولا حول ولا قوة إلا بالله , و قبل عامين أعلنت جمعية عون عن موت المواطن عيد بن صالح المظيبري في شمال بقعاء و القائمة تطول و هللا المستعان و هنا أخذت على عاتقي دراسة الموضوع بشكل جدي و منطقي بلا تضييع وقت فقد قرأت بأن العرب في سالف الأزمان كانوا بالفعل أهل صحراء فقد حمتهم من فارس والروم ولكن للأسف لم تمنعهم من سطوة بعضهم على بعض و هذا ليس محط مقالي اليوم.
بل موضوعي عن علاقة العربي في ما مضى بالصحراء و علاقته بها اليوم ففي ما مضى كانت العرب تسمي الصحراء مفازة فأن كنت من أصحاب الصقور فقد فزت بغزلانها و نعامها و الحبارى وأرانبها، و إن كنت مجرمًا من الصعاليك كالشنفرى فقد فزت بالهرب في مساحات شاسعة لا قِبل لصاحب حق أن يطاردك فيها فتسيح في أرجائها إلا إن كان من يطاردك من أصحاب الأثر والقصاصين فقد ينتهي أمرك إلا إذا كنت تتحالف مع أحدى القبائل.
في مرمى أهل الخبرة وأحيانًا تصبح من لحمهم ودمهم و سيفًا صارمًا بأيديهم إلا إذا تم التعميم عليك في سوق عكاظ و تبرأت منك القبيلة التي تنتسب لها بل إني قد قرأت أن البدو في ما مضى كان لديهم مناعة من لسعات العقارب والحشرات السامة و كانوا في ليلها المقمر يستدلون بالنجوم على الاتجاهات فلا يتيهون، أما اليوم فنحن في قلب الجزيرة العربية وتاريخها المتين لا بد من أن ندرك أننا أهل مدن وحواضر و أن الناس اليوم تمدنت في كل شيء ليس كرها في الصحراء وإنما اضطررنا اضطرارا مع العولمة أن نعيش في المدن و نبنيها و نشيد أبراجها.
ومازال في البدوي العربي طبع البداوة ولكن في المبادئ لا في سلوك حياته متى يدرك كل من يقرر الذهاب الى البر العميق أن هناك احتياطات ضرورية كالعدد الكبير لعدد الأشخاص و الماء الكثير الكافي لأيام بل متى يدرك أن بلدنا ولله الحمد قارة ولا يصلح أن يتجول في الصحراء بسيارة سيدان دفع أمامي فلم نعد كأجدادنا بل تجانسنا مع الحواضر وصرنا أبناء مدن و أبراج و حاسب آلي ولسنا نقدر على العيش في مضارب البادية بدليل أعداد المفقودين والموتى رحمهم الله والهم ذويهم الصبر والسلوان.
أظن أنه حان الوقت ليعرف المجتمع السعودي بجميع قبائله الكريمة وشرائحه أنهم فقدوا كغيرهم من الشعوب المتمدنة علوم الماضي وسلوكيات عيشه مثل الاسترشاد بالنجوم و الأثر أو القصاصين وأصبح الصيد بالصقور حكرا على مجموعة معينة لارتفاع سعر الصقور وأصبحت الصحراء كمصطلح إلى آذاننا و قلوبنا غير محبب على عكس أجدادنا الذين كانوا يرونها مفازة بالخيرات.
لقد حان الوقت أن نبدأ بالتثقيف عن خطورة التنزه والكشتات في الصحاري بدون احتياطات تموينية بل وأسلحة إن لزم الأمر و رجائي الخالص لقوات أمننا المباركة التي لطالما شرفتنا في خدمة حجيج الرحمن أو في دحر أوكار الإرهاب أن تبدأ بعمل خطوات سبق أن اتخذها خفر السواحل بوضع عالمات تحذيرية ولوحات وإشارات كتلك التي على الشواطئ و دوريات الطوافات و إشارات تنبيهيه للسائقين و أهل الكشتات بأن لا يتعدوا بعض المناطق الخطرة سواء الطرق الموحلة او الرمال الغواصة فغالبية المناطق لا تكفي معها سيارات الدفع الرباعي فضلا عن الدفع الأمامي فلا صقر بيدك عزيزي القارئ ولا كنانة أسهم لتصطاد بها الحباري هناك و لن تواجه بها الذئاب والأفاعي هذا إن لم تكن بيديك العاريتين.
زبدة مقالي أنه ليس الكل أهل للبيداء فقد كانت موطن آبائنا لأن لديهم ما يلزم للحياة هناك أما نحن فقد نخرت البابنا الحداثة وغلب على طباعنا المدنية ولو كنا في قرى ستكون مأهولة و بها خدمات إلى حد ما شبه كاملة للعيش .
مطر آل عاطف
مقالات سابقة للكاتب