منذ طفولتي وفنجان الشاي يشكل حدثا يوميا في حياتي ففي بيتنا نتناول يوميا كوبا من الشاي ممزوجا بالحليب الطازج وغالبا ما يحدث صراعا من أجل الحصول على أكبر قدرا منه وبعد ما كبرنا عرفت أن تناول الشاي عقب الطعام يقضي على الحديد ! لكن يبدو أن دعوات أمي لنا بالبركة والعافية كانت تشكل حاجزا حديديا ضد أي تهديدات محتملة حتى لو كانت موثوقة طبيا !
أما في زمن الدراسة في المراحل الأولى فكان الشاي الأحمر هو المشروب المفضل خاصة لذوي الدخل المحدود من جيل الطيبين ! مع الشابورة وبراد الشاي ذي الحجم الكبير.
أما في أماكن العمل فلا يكاد يخلو مكان من حكايات لا تنتهي للشاي الأحمر وأنا أكتب إليكم الآن أنظر إلى كوب الشاي الأحمر المحلى بالنعناع حولي وأنا أرتشف منه رشفة كل حين أحس كأنها تفتح عقلي إلى فكرة جديدة وعالم من الكلمات الجميلة !
عشت فترة من حياتي العملية مع زميل من طراز خاص لديه طقوس خاصة في صناعة الشاي الأحمر بالحبق يعده بطريقة فريدة ولعلكم اشتقتم لمعرفتها دعوني افصلها لكم فهو يقوم بتسخين الماء إلى درجة معينة هو هكذا يعرفها بصوت الماء ثم يضع المقادير في براد آخر ويصب الماء بطريقة سحرية ربما هو هذا السر في روعة الطعم وأنك تستطيع أن تشتم رائحته من البوابة الرئيسية للمبني بينما هو في الدور الثالث ! ثم يقوم بلفه بغطاء ثقيل لمدة من 3-5 دقائق . ثم يصبه في فنجال الشاي ولا تسأل عن جمال اللون والطعم والنكهة !
وسيبقى الشاي الأحمر عنوان الأصالة ورمز لكل أصيل في زمن امتلأ بكل جديد ولازال الكثير يتباكون على زمن الطيبين وهنا وقفة حيث كثر الشاكون من وجود فجوة بين جيل الشاي الأحمر وجيل الكابتشينو . أقول ربما نكون نحن السبب فعندما كنا نقدم الشاي في مجالسنا كنا نتخطى هؤلاء الشباب بحجة أنهم صغار ولا يصح أن يتناولون أقداح الشاي بحضورنا . فضلوا في أعيننا صغارا لا نتحدث معهم وكبرت الفجوة بين جيلنا وجيلهم حتى أصبحنا في واد وهم في واد آخر .
لعلنا نتدارك شي من أخطائنا ونمد جسور التواصل من جديد فنجلس على طاولة واحدة نحتسي معهم كوب شاي أو حتى القهوة الفرنسية وقطع الكوكيز عندها سنصبح أصدقاء.
عبدالرحمن مصلح المزروعي
مقــالات سابقة للكاتب :
مقالات سابقة للكاتب