ما به عيب إلا النَّمِيمَة..!

قفزت اليوم إلى ذاكرتي قصة تذكرتها عندما حدثتني إحدى صديقاتي عن موقف مر بها.

تدور أحداث هذه القصة حول رجل باع عبدًا، وقال للمشتري: ما به عيب إلا النَّمِيمَة.

فقال المشتري: رضيت به.

وبعد أن اشتراه، مكث الغلام أيَّامًا معه، ثم قال لزوجة مولاه: إنَّ سيدي لا يحبك، ويريد أن يتزوج عليك بأخرى، فإذا أردتِ أن يترك ما عزم عليه فإن نام خذي الموس واحلقي شعرات من تحت لحيته حتى أسحره لك فيحبَّك.

ثم قال للزَّوج: إنَّ امرأتك اتخذت خليلًا، وتريد أن تقتلك، فتناوم لها حتى تعرف ذلك.

فتناوم لها، فجاءت المرأة بالموس، فظن أنَّها تريد قتله، فقام إليها فقتلها، فجاء أهل المرأة فقتلوا الزَّوج، ووقع القتال بين القبيلتين .

هكذا تبدأ الحكاية بكلمات قليلة تجر خلفها عواقب وخيمة، قد لا يفطن لها البعض، وقد يتجاهلها البعض..

لم يحدثني!

لم يصافحني!

لم يبارك لي!

لم يتحدث إليّ!

كل ذلك بغية أن يسأله شخص آخر؟ أو يستمع له شخص آخر فتصبح الكلمة جملة، والجملة قصة، والقصة قضية قد لا تكون لها أصل ولا بداية كما قد لا تكون لها نهاية غير النهايات المأساوية والحزينة.

فالبعض يختلق قصة من لا شيء، ليغطي ما يعانيه من نقص يجده في نفسه، وليلفت إليه نظر من حوله، فيختلق الأكاذيب ويصدقها، ويضيف للكلمة ألف كلمة، ويبتر من الجملة ما يريد، يشوه الحقائق، ويغير الوقائع، حتى تستقيم وشايته، ويصل إلى مآربه، ويظهر أمام سيده كأنه الشخص المخلص الحريص.

وتكمن خطورة هؤلاء الأشخاص في قربهم من كل مدير أو مسؤول للحصول على ما يريدون من مكافئات وحوافز ومكاسب مادية أو معنوية وحتى يستطيع هؤلاء تحقيق أهدافهم نجدهم يسعون لخلق نوع من العداء وبذر بذور الكراهية بين المدير وموظفيه، وبعضهم يظهرون للموظفين أنهم أصدقائهم المقربين الذين يشاركونهم نفس الهموم بينما هم يكيدون لهم في محاولة لنقل كلامهم للمسؤول وإن كان الكلام على غير ما يريدون غيروا وبدلوا وحذفوا وأضافوا ..

البعض منهم يرى أنها (فهلوة) والبعض يرى أنها نوع من الذكاء الاجتماعي، والحقيقة أنها غش وخداع يلجأ لها قليل الحيلة قليل الثقة بالنفس (ليبلف) بها سيده الذي يصدقه ويجعله كالعجينة في يده، وكالخاتم في إصبعه، ينتظره كل يوم ليسمع قصصه وأساطيره دون أن يجهد نفسه في التأكد من صدقها أو كذبها.

وبناءً على ذلك يقرّب من يريد ويبعد من يريد، فهو لم يعد يرى إلا بإذنيه، فتظهر الشللية، ويختلط الأمر لدى الكثير ويظهر السؤال العريض من الذي يقود .. المدير أو حاشية المدير؟

وتظهر الإجابة في القرارات المتخبطة التي تصب في مصلحة البطانة.

قال تعالى: (ياأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)

وقال بعض العلماء: (يُفسدُ النَّمَّام في ساعة ما لا يفسد الساحر في شهر)

ولا أظن أن هناك عيب أكبر من النميمة.

وداد سالم قبوس

كاتبة ومشرفة تربوية بتعليم جدة 

 

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “ما به عيب إلا النَّمِيمَة..!

Amer

مقال غاية في الروعة من مقدمته الى دباجة القصة والمغزى من هدفها

خالد المرامحي

وصف دقيق لكوارث الكلمة ومشاهد كارثية لما يصيبنا من وباء النميمة وما تخلفه الغيبة في صراعات المصالح الفردية ويجني ويلاته مجتمع بصورة مباشرة أو غير مباشرة فهي اشبه بالحروب الباردة بين الدول التي لا يعرف مفتعلها ولكن نجد اثرها في سقوط وتهاوي الدول… حتى يظهروا لك من بعدها كالغربان على جثث الصقور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *