لم، ولن يستطع العَالَم من حولنا أن يمسك قلمًا ولا أن يرسم حرفًا … ولا أن يخط عبارة تنير له دربه، وتسهل حياة من به، وتنثر الأزهار في طريقه، لو لم يكن هناك من بين ساكنيه معلم ينثر الأزهار ، ويغرد كالأطيار.
المعلم أساس متين يقوم عليه بناء أجيال بعد أجيال،
أمم تزخر و تتفاخر فيما بينها بما تملكه من عقول وما تنتجه من حضارات كان قوامها عقول معلميها.
وأي فخر لنا وقد بدأت حضارتنا من هنا … من بلاد الحرمين عندما ألقى بكلاماته الأولى جبريل عليه السلام على سيد البشرية أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم.
كلمة ( اقرأ) هي البداية، ألقاها جبريل عليه السلام على سيدنا محمد وكررها ثلاثًا (اقرأ)، وكم عانى- عليه السلام- ليقرأها ويتأكد بأن بدايات التعلم لم ولن تكون سهلة … وإلا لما ارتعد من بداياتها حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإلا لما أصر على تكرارها جبريل عليه السلام ، وإلا لما هيأ لها الله من يحنو عليها ويدعمها بكلمات كالماء البارد ( كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَل، وتكَسب المعدوم، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)
هكذا قالت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، للمعلم الأول – عليه السلام – يوم أن رجع إليها قائلًا زملوني، زملوني ،والله إني خشيت على نفسي، صلى الله وسلم عليك يا حبيبي يا رسول الله ، يا معلم البشرية الأول.
بعد هذا العناء وهذا التأكيد وهذا الإصرار
سيعرف من يأتي من بعده،
أي قيمة ستكون لكلمة ( اقرأ).
موقف التعلم الأول يؤكد بأن عملية التعليم ليست بالأمر السهل ، إنه جهد جبار و عمل دؤوب مضني، ولن يعرفه إلا من جربه، ولن يصبر عليه الا ذوي الأفهام والقلوب الرحيمة، لأنهم علموا أن تحت أيديهم غراسًا تحتاج من العناية والرعاية الكثير من الصبر والتضحية ، لذا أُطلِق عليهم معلمي الخير، ويستغفر لهم كل شيء حتى الحيتان في البحار.
وأي شيء أجل من هذا الفضل إلا قول رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام عن فضل العلم ومن قام عليه “من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء هم ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر”رواهُ أَبُو داود والترمذيُّ.
الله ما أجله من فضل وما أعظمها من قيمة ( كفضل القمر على سائر الكواكب ) استحقها المعلم لأنه اُستُؤمن على علوم وعقول جعلته يُتباهى به في المجالس، وما يوم المعلم إلا أحدها … وماكان ليكون لو لم يكن يستحق ذلك.
يوم المعلم ما كان إلا تذكيرًا لهذا الفضل.
يوم المعلم ما كان إلا تذكيرًا لتلك اللحظات الجميلة التي مرّ بها كل طالب صغيرًا كان أو كبيرًا.
يوم المعلم يأتي ليؤكد مكانة مهنة التعليم ليس فقط لأجل المعلم والمتعلم، بل لأجل المجتمع بأسره والمستقبل والأجيال القادمة.
فمن منا لم يقابل معلمًا أمسك بيده وحنى عليه ، وغرس معه بذور أمله ، أو لمّح له – ولو للحظة – بزوغ شمس حلمه…
لذا حق علينا دومًا – وليس في هذا اليوم فقط- أن نقابل ذلك الصنيع بطيب الدعاء وأن نقدر لمسات الصدق والجهد والعناء التي مرت عليهم، فهم من أزهرت حياتنا على أيديهم، وبهم تذوقنا حلاوة الحياة .
فمرارة الحياة لا يعيشها إلا من كان جاهلًا ولم يتعلم…
ولم يذق حلاوة العلم …
ولم يلتقي ب (معلم).
سارة الصحفي
مشرفة تربوية
رئيسة قسم النشاط الثقافي بإدارة نشاط الطالبات بجدة
مقالات سابقة للكاتب