اليوم وحينما جمعتنا التقنية الحديثة كالواتساب، ومواقع التواصل الأجتماعي، برفقة أصدقاء الطفولة والدراسة وبعدما فرقتنا مسافات الزمن والمكان.
تذكرت ذلك الزمان الذي جمعتنافيه براءة الطفولة وطيش المراهقة، ومشاغبات الدراسة في ذلك المبنى المتواضع بين نخيل القرية وجنبات الوادي!
جمعتنا تسكعات الظهيرة بين سواقي وبرك القرية التي كانت بالنسبه لنا مسابح فاخرة هي و غدران الوادي عندما تسقط الأمطار!
كنا حينما نرتع في القرية لانترك طيوراً ترفرف جنحانها في نخيل القرية مهما كان نوعه كبر أم صغر ( صعو – زريزر- دويخش -فتيحه – نغري- شول – قوقص – قمري – صفري)
إلا وقد أطاح به سلاحنا الفتاك ( النبيلة ) أو (المنحته )
وياويلك يانغري لو تغرد !
ولا أنسى ترجمتنا الخاصه لبعض أصوات الطيور
منها صوت القمري (من سرق عكتي)!!
وصوت طائر البوم ( قلبك سقط )!!
وكأي فتى نشأ ما بين ترعات الوادي والنخل والساقي كنا حفاه برغبتنا !!
لانحس بوقع الألم في أقدامنا إلا حينما تصبح أشواك النخل القاسية ( السّلاه) بين اللحم والعظم
ولا تزال أثارها بأقدامنا!!
لانعرف الأحذية إلا حينما نذهب للمدرسة
خوفاً من العقاب!
حتى كرة القدم لانجيدها بالأطقم المدرسية والجزمة الرياضية
فقط نستمتع بها حينما نكون حفاه!؟
كنا في موسم تلقيح النخل ( الأبار) تتهافت قلوبنا قبل أيدينا لكي يلقي لنا راقي ( متسلق) النخلة قلب النخلة الطري ( الجمار) لكي نستمتع بمذاقه الرائع !
وعندما يحين موسم الصيف وتنضج ثمار النخل لازلت أتذكر بعض شيطنتنا حينما نقطف الثمار وعندما يصير بلحاً أصفر ونضعه في بطحاء الوادي الناعمة وقت الظهيرة عند اشتداد الحر حتى ينضج بسرعة !!
ونتسابق في فصل الصيف وجني الثمار في جمع أكبر قدر ممكن من محصول التمر الخاص بنا سواء بالطرق الشرعية (اللقط) لقط التمر تحت النخل أو التسلل خلسه دون علم أبائنا لتسلق النخل وأخذ حصتنا من التمر أو قذف العرجون بالحصا حتى يتساقط التمر ( الرطش) خصوصا وقت الظهيرة !!
وتبدى مغامرات الصيف والتخييم داخل القرية وقت قطف الثمار ( الجداد ) منذ ساعات الفجر الأولى حتى نعود منهمكين في المساء فوق تلك السيارة المحملة (بعراجين) التمر الطازجه حتى نضعه في مكان تجمع التمر بجانب المنزل ( الجرين)
وبين صباحات موسم الصيف ومساءاته
قصص وحكايات وربما روايات عشق
لاتكفي هنا السطور لكتابتها !
– قدر الغداء بحطب الصريف!
– وبراد الشاهي بنكه (ليف) النخله وجمرة الحطب!
– وعلب التونه والصلصل ورائحة ( الكشنة ) عندما تنتشر بين النخل وسواقي الماء
– ووقت الأستحمام في الهواء الطلق وقت الظهيرة له مذاق خاص تحت خرطوم الماء وربما نلقي بأجسادنا في الساقي وسط الطين والماء و تحت ( لي العزال الساخن ) !! بالنسبة لنا نحن الصغار.
وأما الكبار فأنهم داخل البرك عند خرطوم الماء الرئيسي الذي تجلبه المكائن الزراعية من داخل الآبار !!
اما اليوم كبرنا وكبرت معنا الحياة
فقد فرقتنا السبل وأحلام الشباب
و مقاعد العمل ورحلات العائلة ومتطلبات الحياة
كنافيما مضى بسطاء لانعرف التكلف والمظاهر المترفة
بسطاء بقدر بئتنا المتواضعة
والبعض منا لازال يحمل شيئاً من طفولته
والبعض الأخر بالكاد يتذكرها
والقليل أنسلخ منها تماماً !!
ما أجمل أن نكون
ماضياً
وحاضراً
ومستقبلاً
ولانكون كالذي سلخ ماضيه
وأخذ يبحث له عن وجه جديد لكل مرحلة !!
أما أنا فأحاول أن أجاهد نفسي لكي يبقى مني شيءٌ من تلك الحقبة
ولكنني الآن اتسكع في قريتي للأسف لم يعد بها ساقي أو بركة ماء!
لم يعد نخلها متشابك وظليل !
ولم يعد النغري يغرد بها كما كان رغم السكون والهدوء الصامت وعدم وجود (النبالة )!!
ولم يعد يسمر بها سامر !
فقد أصبحت بئر معطلة وقصر مشيد
وحتى بطحائها الناعمة أصبحت خشنة وأنكرتني !
ولم أعد أجد رفقتي تتجول معي!!
ومع هذا يبقى عبق قريتي يفوح في ذاكرتي ويزيدني شوقاً وحنينا
ولا أقول إلا كما قال أبو تمام :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب الا لحبيب الاول
..وكم من منزل يؤلفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل