في ضيافة بن غبيشة.. القرني يلتقي المتنبي

في ليلة أدبية شعرية من ليالي عروس البحر الأحمر؛ استضاف الشيخ عبد العزيز بن غبيشه الغامدي مدير مركز إصلاح ذات البين بجدة؛ والمؤسس والمدير السابق لمشروع دلالة الراغبين على الزواج؛ استضاف الداعية الأديب فضيلة الدكتور عائض بن عبد الله القرني؛ في أمسيةٍ بعنوان: “لقاء مع المتنبي“.

بدأت فعاليات الأمسية بفقرة من الإنشاد قدمها الجسيس “فيصل لبان”، ثم قدم المضيف كلمة ترحيبية، اعقبها تقديم الضيف لمحاضرته، ثم ألقيت بعض القصائد الترحيبية من الضيوف احتفاء بالشيخ عايض، الذي ختم الأمسية بقصيدة شكر وتقدير قدمها للشيخ بن غبيشة، ثم شارك الحضور في العرضة السعودية بهذه المناسبة.
وبدأ د. عايض محاضرته ببيت المتنبي “لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال” لذا يقدم كلماته امام كرم وحفاوة الشيخ بن غبيشة وآل غامد، وقد أشار القرني في محاضرته إلى أنَّ المتنبي حكيم مبدع، عبقري في اللغة.. شاعر ضج المجد في عينيه، في عقله، في ضميره، في كيانه كلّه، فعاش عمره على هاجسه، يغضَب للمكارم إن عَدَت عليها يد المآثم، ويقلق للقيم السنيَّة، فيصونها في حدقيته، إن عزَّ عليها الملاذ. وهو الذي في تعريفه لنفسه جمع أقطار المجد كأنه لم يذر منه شيئا لأحد، حيث قال: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم، الليل والخيل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم. 

وليس غريباً اننا وجدنا أساتذتنا من كبار علماء المملكة يستشهدون بأبيات المتنبي، وعلى رأسهم الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، فالمتنبي الشاعر الحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي، له الأمثال السائرة والحكم البالغة المعاني المبتكرة، في شعره اعتزاز بالعروبة، وتشاءم وافتخار بنفسه، وتدور معظم قصائده حول مدح الملوك…وقد ترك تراثاً عظيماً من الشعر يضم 326 قصيدة، ولكنه كسائر العباقرة له سقطات.

وأضاف د. عايض أنَّ حياة المتنبي أحاطت بها عوامل بيئية واجتماعية ونفسية متعدّدة تضافرت كلها على تكوين شخصيَّته الأدبية الفذَّة، فقد ملأ المجد الأدبي سحابة كبرى من عمره، وشغل الباحثين من بعده، إذ وقفوا مندهشين أمام البناء الفني الشامخ الذي أرسى الشاعر أسسه، ومن هنا صدق الوصف الذي خَلَعهُ بعض النقاد على المتنبي (ملأ الدنيا وشغل الناس).

وختم القرني محاضرته بأن الأدب العربي لم ينتج فيما نعلم غير المتنبي وغير المعري شاعرًا فيلسوفًا، ومن فضل المتنبي على الفلسفة أنه بثها في الشعر يوم كانت تلتمس لها منفذًا إلى العقول والقلوب في تقية وفي وجل، ولعل شعر المتنبي كان من أسباب عناية الكُتاب والشعراء بالدراسات الفلسفية استكمالًا لفنهم وطمعًا في اللحاق بذلك الشاعر الفيلسوف الذي شغلت به الألسن وسهرت في شعره العيون.
***
وقد تضمنت المحاضرة العديد من النماذج من أشعار المتنبي؛ التي ساقها المحاضر لبيان حكمته؛ وعلو كعبه في ميدان الشعر والأدب ومنها:
وهَبنــي قلـت: هـذا الصبـحُ لَيـلٌ أَيعمــى العــالَمونَ عَـن الضّيـاء؟
***
فَـالمَوْتُ أَعْـذَرُ لـي والصَّبْرُ أَجْمَلُ بي
والــبَرُّ أَوْسَــعُ والدُّنْيـا لِمَـنْ غَلَبـا
***
وقــد فــارَقَ النـاسَ الأَحِبَّـةُ قَبلَنـا
وأَعيــا دواءُ المَــوت كُـلَّ طَبِيـبِ
***
أَرَى كُلَّنــا يَبغِــي الحَيــاةَ لِنَفْسِـهِ
حَرِيصـاً عليهـا مُسْـتَهاماً بِهـا صَبَّـا
فحُــبُّ الجَبــانِ النَفْسَ أَورَدَهُ البَقــا
وحُـبُّ الشُـجاعِ الحَـرْبَ أَورَدَهُ الحَرْبا
***
وأَظلَـم أَهـل الظُلْـمِ مَـن بـاتَ حاسدًا
لِمَــن بــات فــي نَعمائِـهِ يَتَقَلـبُ
***
عِشْ عَزيــزاً أَو مُـت وَأَنـتَ كَـريم
بيــن طَعــنِ القَنـا وخـفْقِ البنـود
***
والمحاضر هو الشيخ الدكتور عائض بن عبد الله القرني كاتب وشاعر وداعية إسلامي سعودي. له الكثير من الكتب والخطب والمحاضرات الصوتية والمرئية من دروس ومحاضرات وأمسيات شعرية وندوات أدبية.
وُلد بقرية آل شريح بمحافظة بلقرن حصل على الشهادة الجامعية من كلية أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

ثم حصل على الماجستير في الحديث النبوي (1408 هـ)؛ ثم على الدكتوراه (1423 هـ) من جامعة الإمام.

تفرّغ القرني للدعوة وزار كثيراً من الدول وحضر عشرات المؤتمرات وألّف أكثر من ثمانين كتاباً وأشهرها كتاب لا تحزن والذي بيع منه أكثر من 10 ملايين نسخة، وتُرجم إلى عدة لغات، وبالإضافة لكتاب التفسير الميسر، وأسعد امرأة في العالم، ومقامات القرني، والفقه الميسّر، وإمبراطور الشعراء، وقصائد قتلت أصحابها، وديوان شعر بعنوان القرار الأخير.

اشتهر القرني بأسلوبه الرائع في جذب أسماع الناس وانصاتهم إليه. وله أكثر من ألف شريط كاسيت إسلامي في الخطب والدروس والمحاضرات والأمسيات الشعرية والندوات الأدبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *