♦ الملخص:
رجل يشكو من معاملة أبيه له، وتفضيله لإخوته عليه، علمًا بأنه بارٌّ به، ولا يعصي له أمرًا، ويسأل عن حل.
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أنا شابٌّ في الثامنةَ والعشرين من عمري، ويبلغ أبي الحادية والستين من عمره، مشكلتي أن أبي يفضِّل إخواني عليَّ، وهو دائمًا يصرخ في وجهي، وأنا أحاول أن أُرضيَه بكل ما أُوتيتُ، وأعتذر له حتى ولو لم أكُن مخطئًا، وبسبب مشاكله معي أصابتني الأمراض، وصارت حالتي النفسية سيئة جدًّا، أبي شخصٌ طيب حنون، لكنه في صغره عانى الأمَرَّين من والديه، ولا زال إلى الآن متأثرًا بهذا الأمر، فهو لم يعرف معنى الأبوة ولا الأمومة، أنا أريده سعيدًا في حياته، وأريد أن أكون به بارًّا، أرجو توجيهكم وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة على رسول الله؛ أما بعد:
أخي الكريم، ذكرتَ في سؤالك أنك في الثامنة والعشرين من عمرك، وأن المشكلة بينك وبين والدك عمرها سنتان؛ يعني: عندما كنت في السادسة والعشرين لم يكن ثمَّةَ مشاكل، وتقول: إن معاملته معك تغيرت دون إخوانك، وهذا يشير إلى أن هناك سببًا جعل أباك يغيِّر أسلوبه معك؛ لذا فإني أوصيك بالآتي:
١- لتعلم أن أباك مهما قدمتَ له من بِرٍّ، فلن تجزيَه جزاءَ ما قدم لك إلا أن تجده مملوكًا فتعتقه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يجزي ولدٌ والدًا إلا أن يجده مملوكًا، فيشتريه فيعتقه))؛ [رواه مسلم].
٢- قلتَ من وجهة نظرك أن سبب تغير معاملته هو كِبَرُ سنِّه؛ حيث بلغ ٦١ سنة، وهذا غير مُسلَّم به؛ إذ لو كان هذا الاحتمال صحيحًا لتغيَّرت معاملته معك ومع إخوانك، فهذا الاحتمال بعيد.
٣- لا بد لك أن تدرُس حالك مع أبيك قبل سنتين – قبل وقوع المشكلة – فلربما كنتَ تحقق له رغبة ثم قطعتَها، وربما كنتَ تعطيه مالًا ثم قطعتَه، وربما كنت تتحدث معه حديثَ خضوع واحترام وتغيَّر أسلوبك، وربما كان يأمُل منك شيئًا معينًا ولم يتحقق، أو طلب منك شيئًا ولم تحققه، أو وَرَدَتْهُ وشاية عنك، وغيرها من الاحتمالات.
٤- فتِّشْ في حال أبيك الآن، ربما فقد عزيزًا له والحزن أثَّر عليه، أو لديه ضائقة مالية، أو عليه دَينٌ يفكر فيه.
٥- إذا كانت الوالدة موجودة، فيمكن أن تتحدث معها في الأمر لتعرف السبب؛ لأنها الأقرب لأبيك.
٦- ذكرتَ أنه يعامل إخوانك معاملة جيدة دونك، فانظر ماذا يفعلون تجاه أبيهم وهو راضٍ عنهم.
٧- فتِّش في الأمور المحببة لأبيك أيًّا كانت، وحققها له دون منٍّ ولا أذًى.
٨- اعلم أن أباك بابٌ من أبواب الجنة؛ فإما أن تضيعه أو تحفظه.
٩- اعلم أن أباك يحبك ويخاف عليك، ولو قسا عليك أو رفع صوته، فقلبُ الأب لا يكره ابنه، وإن كنت متزوجًا ولك أولاد، فانظر: كيف محبتك لهم؟ فالأب والأم مثلك.
١٠- ذكرتَ أن أباك طيب القلب وحنون، فاستغلَّ هذه الصفة لصالح الرضا عنك.
١١- لا تفكر في هجره أو عقوقه مهما بَدَرَ منه، بل اصبر عليه واحتسب، كما صبر عليك وتحمَّلك وأنت صغير؛ فقد عاش كل تلك السنين وهو يكدُّ من أجلك وإخوتك.
١٢- قدِّم له الطاعة والإحسان، وخفض الجناح، والبر الصادق، وتغافل عن كل زَلَّةٍ تراها من أبيك تجاهك؛ قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23].
١٣- احذر وساوس الشيطان ونزغاته؛ فإنه العدو اللدود الذي يريدك أن تقع في عقوق والدك، فهو يضخِّم القضية، ويوسع دائرتها؛ بغيةَ الوصول للتفرقة بينك وبين أبيك.
١٤- احتفظ لنفسك بهذه المشكلة؛ فهي ابتلاء وامتحان لك، ولا تخبر بها أحدًا لا من قريب ولا بعيد، وإذا سُئلتَ عن ذلك، فأجب أن الأمور بخير، ولله الحمد والرضا.
15- كن قدوة لأبنائك ببرِّ والدك؛ لعل الله يصلحهم فيبرونك مثل برِّك لأبيك.
أسأل الله أن يديمَ عليك نعمة الصبر، وأن يرقِّقَ قلب أبيك عليك، وأن تعيشوا حياة هنيئة مطمئنة.
المستشار الأسري
د. صلاح محمد الشيخ
دكتوراة من الجامعة الاسلامية كلية الدعوة وأصول الدين – قسم التربية
ماجستير من جامعة أم القرى – كلية التربية – قسم التربية
دبلوم المستشار الأسري
دورة مهارات نقديم الاستشارات الأسرية عبر الهاتف
خبرة في مجال التربية والتعليم تزيد عن ٢٦ سنةً