مكالمة من خارج الحدود !

    لا شك أن كثيراً من أفراد الأمة يعيش أزمة فكرية “خانقة” ،تدع الحليم حيراناً يطرح أسئلة لا يجد لها إجابة ، هذه الأزمة تتمثل في هذا الخواء المعرفي ، الذي يتمدد تمدداً أخطبوطياُ في كل الاتجاهات ، لم يترك شيئاً إلا واجتاله معه يمنة ويسرة!

     هناك مجموعة من الأسباب التي هيأت لهذا الخواء المعرفي بنوعيه ، من أهمها تقصير بعض الحواضن التربوية (المدارس والجامعات والمساجد والأندية الرياضية ووسائل الإعلام)،والتي باستطاعتها احتواء الشاب والإجابة على أسئلته المتشعبة أحياناُ والمتطرفة أحياناً أخرى.

     لكي تتضح الفكرة أكثر دعونا نلقي نظرة على واقعنا الحالي ، وفيه سأتناول وسائل الإعلام بشيء من التفصيل. قبلها سألقي نظرة خاطفة على وضع الطالب في قاعة الامتحان (طير في داخل قفص)، تجده يحرص حرصاً شديداً على الانتهاء بسرعة من الامتحان ليطلق لنفسه العنان في التجول مع الأقران.

     في هذه اللحظة الحاسمة يكون الطالب فيها صيد سهل لعصابات المخدرات أو أصحاب الفكر المنحرف (من خلال”النت” أو الأصحاب بالاستراحات).

     ثم بعد ذلك يستلمه الإعلام(فضائيات،وسائل التواصل الاجتماعي…الخ)،هنا مع الأسف تتم عملية غسيل الأدمغة(كل حسب ما يميل اليه)،فنشاهد بعد ذلك أنواع من السلوكيات السيئة جداً حين خروج الشاب إلى الحياة العامة، فهو لا يضع أي اعتبار لأي ضابط أخلاقي، هو يريد أن يصنع لنفسه عالماً خاصاً به يكون خاضعاً لنزواته ورغباته ، ثم تأتي الكارثة عند تتلقفه بعض الجماعات لتتفاجأ الأسرة بأن الابن يتصل من خارج الحدود!!

     ويبدأ الإعلام يندد ويستنكر ويشجب ، ويهاجم فكراً وسلوكاً هو شريك أساسي في تربيته وصناعته ، وهي بضاعته التي ردت إليه، فهو يبث طوال السنة من البرامج التي تركز على تأجيج الشهوات وتعزيز فكرة  البقاء للأقوى والأجرأ على اقتحام المحذورات الشرعية والعرفية ليتلقفها دون وعي هذا الشاب(المسكين)،أو تسلب عقله بكلمات وعبارات فكرية مسمومة الهدف منها جره الى أودية الانفلات أو الانقلاب على كل ما هو موجود بمجتمعه وأمته.

       أو برامج تافهة المحتوى تسمى زوراً وبهتاناً برامج ترفيهية، تربي في الشاب حب الدعة والكسل ، أو تبث برامجرياضية، يتحول فيها الحوار إلى تراشق لفظي وبدني أحياناً ، يصل إلى أدنى مستوياته دون مراعاة لأي قيم أو ضوابط للحوار السليم، لتربي فيه التعصب والعنصرية والسخرية بالطرف الآخر تحت مسمى التشجيع الرياضي، ثم يخرج المتحاورون من”الاستديو” إلى الشارع وصولاً الى منازلهم فيجدون نتيجة ما زرعوا قبل قليل من عدم احترام الولد لوالده وسخرية الابنة من أمها ، وانفلات الأعصاب بين أولاد الجيران لأتفه الأسباب. بضاعتكم ردت إليكم!

ما الحل؟

     لن نطيل في ذكر الحل فهو يكمن في تنادي الغيورين في المحاضن السابقة الذكرلعمل خارطة طريق يتعاون الجميع في رسمها وتحديد معالمها وحدودها بشكل مهني يتنازل فيه الجميع عن بعض القناعات المعرقلة والتعاون فيما يتفقون عليه والوعي بخطورة المرحلة التي تحتم على الجميع التنبه لما يحاك للجميع في وطن الجميع، ولنعيد زراعة أرض الخواء المعرفي بزرع وشجر يرضي الله عن الجميع.

أبو عمر محمد بن سعيد الصحفي – محاضر بالكلية التقنية بجدة

مقالات سابقة للكاتب :

– تحطيم الأصنام

– إياك أعني !

حرث البحر !

– يا من لا يزول ملكه

– وفد العزايم

– النذير العريان

الرأي والرأي الآخر !

 أعطني شاشة ، أعطيك شعباً

– سياط التغيير

– مشاريع غران التنموية وآفة النفس القصير 

– أمن أجل الدرجة وصلنا لهذه الدرجة ؟!

– تنمية البشر قبل تنمية الحجر 

– الساعة 11 … لا أحد يتأخر!!

– التدجين وتمزيق الكتب

مقالات سابقة للكاتب

11 تعليق على “مكالمة من خارج الحدود !

أبو سعود

أحسنت يا أبوعمر
الإعلام هو أكبر مصيبة في هذا الزمن وهو رأس البلاء كله
ومع ذلك النقد والهجوم يتوجه للمناهج الدراسية ولا يتوجه للإعلام
الإصلاح يبدو أنه يحتاج إلى مخاض عسير ولكن ذلك ليس على الله بعسير
الله يصلح الأحوال

سعيد طليع

كلام جميل أبو عمر يشخص ما يحصل الان .
تظافر الجهود مهم واسأل الله أن يصلح أحوالنا وأن يهدي ظال المسلمين

محمدالرايقي

مقالة هادفة وكاتب متميز نعم الاعلام سلاح ذو حدين لو استغل في الخير لحصدنا نتائج في المجالات كلها نرجو الاستمرار في طرح مثل هذه الموضوعات الهادفة

متعب

المجتمع كله ضحية من ضحايا الإعلام
المشكلة كيف يمكن حماية المجتمع من الإعلام ؟ سيل جارف يتدفق ليل نهار من يقدر يصده؟
مهما عملت المدارس والبيوت فلن تستطيع أن تقف في وجه الإعلام فهو الأقوى
الحل هو في تقوية دور المسجد بالتوسع في حلقات تحفيظ القرآن الكريم وإزالة العراقيل لفتح أكبر عدد منها
فهي بعد عون الله السياج الذي يحمي الجيل من الفتن

ندى الحربي

تربي وتجتهد سنوات مع الأبناء ثم يأتي مشهد اعلام مسلسل فيلم ويهدم كل مابنيته شكراً كاتبنا العزيز

ابوباسم

أشكر ك أخي الفاضل أبا عمر على هذا الكلام الجميل ..ماشاء الله نظرة ثاقبة وتحليل واقعي يلامس الواقع المؤسف لاحوالنا.
وانا مؤيد لكلام اخي متعب وفقه الله وأنه هو الحل الوحيد للمخرج من هذا الحال الذي وصل له الكثير من شبابنا وللاسف!!
تحياتي الخاصة لك ابا عمر لافض فوك.
واخيرا لا يفوتني أن أشكر صحيفة غران على اهتمامها بنشر مقالات كهذا المقال الهادف والجميل.وابارك لها على وصولها للمليونية .في وقت قياسي 15 شهر..الف الف مبارك.

أحمد مهنا

فعلا لدينا مشكلة..ويظهر أنها مرادة ، مقصودة ، اتقن من أرادها بذرها وسقيها..أقنعوا الشباب بجرأة على العلماء وأن الكبار ﻻتتناسب أفكارهم مع الشباب وشغلوهم بالشبه والشعارات الهدامة بأسماء براقة….شكرا لك أ . محمد ..وفقك الله

اللمبي

لا شك أخي أباً عمر انك نسيت شي مهم جدا شي يتناول محور الحديث
الا و هو انك لم تتذكر اولادك …

أبو حامد

نشكر الأستاذ الفاضل أبو عمر، كلامكم لامس الواقع الذي تعانيه الكثير من مجتمعاتنا العربية حيث تخلينا عن أول أمر نزل على نبيينا الكريم صلى الله عليه و سلم و هو أمر القراءة و التي من خلالها يمكننا أن نغير العقول التي في رؤسنا و بتغيير هذه العقول يمكننا أن نسمو بواقعنا و واقع مجتمعاتنا.

كما أنني تابعت مداخلات الإخوة المعلقين و كلهم متفقون على الإشادة بكلام و أفكار الأستاذ أبو عمر رغم أن الأخ اللمبي غفر الله لنا وله دخل في مسائل شخصية لا محل لها من الإعراب لكنها لا تأثر على ما جاء في المقال

ملاحظة أخيرة فقط حيث كنت أتمنى من لأستاذ الفاضل أبو عمر لو أخذ بالأرقام و الأمثلة من مراجع رسمية للتدليل على هذا الواقع فعلى سبيل المثال الإشارة إلى دراسات رسمية حول خطر المخدرات و تهديدها للمجتمع بإمكانه أن يزيد من قوة و صلابة الأفكار المطروحة.
كما سعدت بمتابعة هذه الصحيفة التي تهتم بأحوال المنطقة و نقل أفكارهم.

علي الصحفي

شيء جميل أبا عمر أن نناقش مشاكل شبابنا وأولادنا وأحفادنا
وكنت أتمنى من كل المعلقين والكاتب كذلك أن نضع حلول عملية ممكن تنفيذها من الجميع ثم دور المحاضن بعد ذلك.
أولا دور الأم كونها المحضن الأول فكم من أم يتربيتها جعلت من ابنها وابنتها رمزا وعلم وهي قدوة لبناتها
ثم الأب كونه القدوة لذلك الإبن في تمسكه بدينه وأخلاقه واختياره وسلوكه.
ثم المنزل والأسرة أن يكون دورها أكبر من أن تكون مكان للتفريخ والتسمين فقط, وسائل الإعلام الحديثة ( تويتر والفيس بوك والإنستجرام ………) أما القنوات الفضائية أظن قد ولى زمانها, هذه الوسائل أبعدت أفراد الأسرة عن بعضهم وجعلت كل واحد منهم في واد, فمن الحلول لذلك أن يكون على الأقل ساعة في اليوم يحددها جميع أفراد الأسرة يلقون بجوالتهم جانبا ويسمع بعضم لبعض ليس وعظا ودروسا على أهميتها وضرورتها, لكن نقاش في المشاكل إن وجدت أو في موضوع يقترح حتى يقترب أفراد الأسرة من بعضهم, ويحسون باهتام بقية الأفراد بهم وبمشاكلهم, للأسف أطفال في الثالثة والرابعة أدمن الآيباد وأصبح لا يفارقه ما دام مستيقظا على ماذا يا ترى سيتربى ..
ثم يأتي بعد ذلك دور المجتمع والمحاضن التربوية التي تحتاج المنتفرغين لها المتخصصين فيها وليس المحتسبين المجتهدين ونسأل الله التوفيق والسداد
ومع ذلك فإن في أبنائنا وبناتنا خير كثير يحتاج من يستخرجه

محمد الصحفي

بكل أسف دور الأب في البيت تلاشى
الربن يسهر برا البيت ويعمل مايحلو له والاب لايمنعه ولا يستطيع منعه
انفلات تربوي لم يمر علينا قبل هذا اليوم
والله يعين المدارس يأتيها جيل غير منضبط بأي ضوابط
هل المدارس تتفرغ للتعليم أو تربي؟
لابد من عودة دور الأب مهم جدا
وكلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *