تصرفات والدي جعلتني أكره الحياة

الملخص:

فتاة تقول إن تصرفات والدها معها ومع أخواتها جعلتها تكره الحياة، وتذكر أنه تزوَّج بعد وفاة أمِّها، ولم يلتزم بالإنفاق عليهم، وأختها من تتولَّى مهمة الإنفاق، وتسأل عن حل.


♦التفاصيل:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

مشكلتي مع تصرفات أبي التي جعلتني أكره كل شيء في الحياة، فقد ماتت والدتي منذ خمس سنوات، وربما كان أبي سببًا في ذلك؛ حيث دمرها نفسيًّا قبل أن تموت، وبعد أن ماتت والدتي ذهب أبي وتزوج ولم يعُدْ يهتم بنا ولا ينفق علينا، نحن أربع بنات؛ اثنتان قد تزوجتا، وأنا الصغرى، وقد اعتنتْ بي مَن بقت منهنَّ، وكانت لي كالأم ووهبت حياتها لي، وبعد أن تخرجتُ في الجامعة لم أستطع أن أتوظف بسبب مرض أعاني منه هو مرض الرهاب الاجتماعي، ثم توظفت أختي في مدينة غير التي كنا نعيش فيها، ثم إن أبي انتقل بالقرب منا، ويريد أن يتحكم فينا مع أنه لم يقف بجانبنا ولا ينفق إلا على زوجته، فهو يسافر، أما نحن فلا يجوز لنا ذلك، أعلم أن بر الوالدين حق، لكن عندما لا يرى الأبناء الاهتمام الكافي، فإن حبهم لوالديهم يموت بداخلهم، لقد جعلني أكره الرجال؛ فلا أريد الزواج، وأكره الحياة ولا سيما لما رأيتُ أختي تحمل همومًا كالجبال بدلًا من أن تتزوج وتكوِّن أسرة، وهو لا يبالي بذلك كله، أريد الاستقلال عنه، فماذا أفعل؟ وهل ثمَّة حلٌّ للرهاب الذي أعاني منه؟

♦الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين؛ أما بعد:

فقد قرأت مشكلتكِ، والتي مفادها أنكِ كرهتِ كل شيء بسبب تصرف أبيكِ معكِ، وبسبب إهماله لكم – كما عبرتِ في رسالتكِ – وأصبحت أختكِ هي التي تصرف عليكِ.

وبيَّنتِ أنكِ تعانين من الرهاب الاجتماعي منذ صغركِ، ولم تجدي وظيفة بسبب هذه المشكلة، وتطلبين المساعدة في حل مشكلتكِ.

المساهمة في حل المشكلة كالآتي:

١- انزعي النظارة السوداء التي تلبسينها أمام تصرفات والدكِ، فستقولين: إن كل ما ذكرت حقيقة، أقول: وإن كان ما ذكرتِ حقيقة، فلا بد من نزع هذه النظرة السوداوية أمام تصرفات الوالد؛ لأنه الأب، وما أدراكِ ما الأب؟ فرح بكِ صغيرةً، وحملكِ على كتفيه، واشترى لكِ اللعب، وصرف عليكِ حتى نلتِ شهادة عالية، ما أحلاه من أب مهما فعل في المقابل! فمهما حاولتِ أن تجزيه على فضله، فلن تستطيعي إلا أن تجديه مملوكًا فتعتقيه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يجزي ولدٌ والدًا إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه))؛ رواه مسلم، وكلمة “الأولاد” تشمل الذكور والإناث؛ إذ إن المفرد: ولد؛ بمعنى: مولود، فيشمل الذكر والأنثى.

٢- بيدكِ حل المشكلة؛ لأن عمرك ٢٦، ومثقفة وعاقلة، وصاحبة نظرة ثاقبة، فكل هذه الصفات أنتِ تتمتعين بها، لكنكِ لا تستخدمينها ولا توظفينها في صالحكِ، تغلَّب عليكِ الشيطان فعطَّل عليكِ كل هذه المهارات، واستسلمتِ لنزغاته، وسأضرب لكِ أمثلة على ذلك:

أ- جعلتِ من موقف أبيكِ معكِ ومع أمِّكِ قضيةَ عُمرٍ، وجعلتِ هذه المشكلة شبحًا أمام عينيك، وكلما عطفتِ على أبيكِ، جاءكِ هذا الشبح وأفسد عليكِ، وكابرتِ نفسكِ، وعدتِ إلى دوامة القلق والكراهية لأبيكِ، أليس كذلك؟

ب- كم مرة بعد حصول هذه المشكلة ابتسمتِ في وجه أبيكِ؟ كم مرة أرسلتِ له رسالة حب وشكر واحترام وتقدير؟ كم مرة فرحتِ لفرحه، أو حزنتِ لحزنه؟

ج- ما علاقتكِ مع إخوتكِ من أبيكِ إن كان هناك إخوة؟ وما علاقتكِ مع زوجة أبيكِ؟ تبدو قطيعة مستمرة، فكيف تريدين من أبيكِ الرضا والسعادة تجاهكِ؟

د- أنتِ أصغر أخواتكِ كما أشرتِ، فمن الفطرة أن أباكِ أعطاكِ حبًّا خاصًّا منذ صغركِ ولا يزال؛ لأن فطرة الأبوة تحتم ذلك، وإن أبدى أفعالًا ظاهرة؛ فقلبُ الأب على أبنائه وبناته حنونٌ ورؤوف وعطوف.

هـ- لديك مهارة مهمة معطلة في سلوككِ ومنهجكِ؛ ألا وهي: مهارة التغافل عن المواقف السلبية والمنغصات؛ لذا تتحسسين لأي موقف من أبيكِ وتربطينه بالمواقف السابقة؛ مما يزيدكِ قلقًا وهمًّا وغمًّا.

٣- ربط شخصية أبيكِ بكل الرجال هذا من اليأس والإحباط وتشرب المشكلة، حتى وصل الحد بكِ أن تنظري لكل الرجال بهذه النظرة التي حالت بينكِ وبين مستقبلكِ وتحقيق طموحكِ، وأنتِ التي أوصلتِ نفسكِ لهذا التصور، أَوما علمتِ أن الله تعالى حذرنا من الشيطان وبيَّن أنه العدو؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر: 6]، وكيف تحكمين على كل الرجال بهذا الحكم الجائر؟ فهذا الحكم مخالف للشرع والعقل؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق))؛ [رواه مسلم]، فالحمد لله الخيرُ في أمة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مستمرٌّ وموجود في كل زمان ومكان، وانظري إلى أقاربكِ وقريباتكِ، كم فيهم ممن يضرب به المثل في دينه وخلقه، وتضحيته وتعاونه!

٤- من فضل الله عليكِ أن هيَّأ لكِ أختًا تقف معكِ في الشدائد، وهذا التعاون يدل على أن أسرتكم من معدن طيب، فقط ما هي إلا عاصفة ريحٍ هزت الثقة بوالدكم، وبإذن الله تهدأ ويعود الصفاء والوئام.

٥- ابدئي مرحلة من عمركِ جديدة، وذلك بطيِّ الصفحات الماضية وفتح صفحات جديدة وذلك بالتعامل الراقي مع والدكِ؛ ببره والإحسان إليه، ونسيان كل ما مضى، وبالتوبة من عقوقه خلال الفترة الماضية من غِيبةٍ أو همزٍ أو لمزٍ أو قطيعة أو كراهية؛ فهو أبوكِ وهو باب من أبواب الجنة، فإن أردتِ تركه خسرتِ، وإن حافظتِ على طاعته وبره فزتِ في الدنيا والآخرة.

٦- تعوَّذي من الشيطان ومن حظ النفس وعلوها، وافتحي صفحة جديدة مع زوجة والدكِ وإخوتكِ، واجعلي تواصلكِ وخدمتكِ للوالد مستمرة، وسترين راحة البال وانشراح الصدر.

٧- إذا جاءك نصيب الزواج ممن ترضين دينه وخلقه، فلا تترددي من قبوله؛ فإنه سيكون لكِ ملاذًا بعد الله من دوامة الهم والحزن.

٨- سامحي أباكِ واستغلي ما بقي من عمره في بره وطاعته، فكم من الفتيات تتمنى حياة أبيها لتقوم ببره وطاعته وخدمته؛ ليكون لها بابًا للجنة!

٩- أما عن الرهاب الاجتماعي، فهذه مشكلة حلُّها في زيادة الثقة بالنفس في كل موقف اجتماعي تتعرضين له، ثقي بنفسكِ أنكِ أهلٌ لمواجهة الجمهور، وتدربي بالحوار والتواصل مع القريبات وتصدُّر المواقف بشجاعة وثقة بأنك تستطيعين المواجهة، وفي البداية ستشعرين بالخوف والقلق، ومن ثَمَّ تتعودين على مواجهة المواقف والتصدي لها.

١٠- بالإمكان مراجعة معالج نفسي لمساعدتكِ في كيفية طريقة العلاج السلوكي المعرفي؛ حيث يبين لكِ المهارات اللازمة في تعزيز الثقة بالنفس، والمواجهة في المواقف.

أسأل الله العلي القدير أن يرقِّقَ قلب أبيكِ عليكِ، وأن يرزُقَكِ برَّه، وأن يُذهِبَ عنكِ الغمَّ والهمَّ والحزن، ويرزقكِ الزوج الصالح الذي يسعدكِ في دنياكِ، ويكون عونًا لكِ على طاعة الله.

المستشار الأسري

د. صلاح محمد الشيخ
دكتوراة من الجامعة الاسلامية كلية الدعوة وأصول الدين – قسم التربية 
ماجستير  من جامعة أم القرى – كلية التربية – قسم التربية 
دبلوم المستشار الأسري 
دورة مهارات تقديم الاستشارات الأسرية عبر الهاتف
خبرة في مجال التربية والتعليم تزيد عن ٢٦ سنةً
 
لاستقبال استشاراتكم الأسرية الرجاء الإطلاع على الرابط التالي : https://ghrannews.com////////////?p=169502

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *