تستيقظ مع بزوغ الفجر تجهز وجبة الافطار وسط الظلام الحالك دائما والأجواء الباردة أحيانا . وأنا وإخوتي نستيقظ بتثاقل ممل نؤدي الصلاة نتناول إفطارنا وسط الحاح شديد منها تجهز ملابسنا أدواتنا تحثنا على المسارعة حتى لا تفوتنا الرفقة في السير للمدرسة ولا تنس ان تدس في جيوبنا العملة المعدنية ذات الأربعة قروش . وكلمات تهمهم بها ونحن نغادر عتبة الدار . ننطلق باتجاه المدرسة والرفاق من حولنا في تآلف عجيب لا نشعر بطول المسافة كقول المتنبي :
نحن أدرى وقد سألنا بنجد أقصير طريقنا أم يطول
وكثيرٌ من السـؤال اشــتيـاق وكـــثيـر من رده تـعـلـيـل
نخترق المزارع وأصوات المكائن تطرق أسماعنا في تناغم صوتي جميل وكأنها ( حادي ) يحثنا على سرعة المسير . مسيرة يومية ذهابا وإيابا تتخللها العديد من المفارقات والمواقف الجميلة وفي أحد الأيام وشلة الأصحاب تقطع الطريق نحو المدرسة وأشعة الشمس المشرقة تستقبلنا بأشعتها الدافئة وتمنح أجسادنا الغضة الطاقة والنشاط ونحن لا نشعر بذلك …
ويأخذنا الطريق الى شجرة سدر وارفة الظلال محملة بالثمار فالتففنا حولها . البعض يهز أغصانها والبعض يلتقط ما يتساقط منها في جو من بهجة الفرح وحلاوة الطعم .
وكنت أحد الجالسين اجمع حبيبات النبق اللذيذة والتهم شي منها فإذا بصوت مدوي يتوسط بعده حجراً ربما يكون بحجم رأسي تقريبا يهبط مستويا على رأسي … اذ كان متعلقا بأحد الاغصان إثر محاولات سابقة للحصول على النبق !!
وتساقط النبق من يدي واجتمع الاصحاب من حولي مذهولين يتفقدونني وأنا لا أدري ما لذي هوى على راسي فإذا بي اتحسس رأسي ابحث عن أثر .. عن دم … لاشي ( جات سليمة ). وكان هذا كافيا لمواصلة السير للمدرسة.
واصلنا السير ولم يترك الحجر وقتا لي لاستمتع بطعم النبق الحلو اللذيذ …
وحقيقة لا أدري هل بقي من أثر ذلك الحجر القديم شي أم أن دعواتي أمي قد حفظتني .
أمي … هي كلمة بدأت بأول الحروف وانتهت بأخر الحروف . اليك أمي أهدي كل حروفي .
عبدالرحمن مصلح المزروعي
مقالات سابقة للكاتب