عندما نتحدثُ عن العلاقات فإننا نُدركُ بأنها وإن ( اتحـدت ) في المُسمى فإنها (مختلفةُ ) الأنواع ، و (مُتعدّدةُ )الدوافع !! ويتـفقُ الجـميع على أن أقـواها ( مـتانةً )وأكـثرها ( تماسـكاً ) هي العـلاقاتُ الأُسرية ( الزوجـية _ الأبـوية _ الأخـوية ) ! وهـذه العلاقات ( بحــر ) لا سـاحل له، ولو أردنا البحـثُ فيها، و الحديثُ عنها لاحتـيج إلى مجـلدات كي (نغـوصُ) في أعـماقها !
وفي هذا المقال آثرتُ الكـتابةَ عن العلاقات ( خارج ) الإطـار الأُسَـري، ومادعـاني لذلك هو ( الخلـطُ ) عند الكـثيرين في ( مفهوم ) العلاقات، كما أنهم لم يُفرّقـوا بين علاقةٍ (ساميةٍ) المعـنى وعـلاقةٍ لامعـنى لها !
ولمعـرفة (ماهيَّـة) العـلاقات وإدراك ( حقيقتها ) فإنه يلزمُـنا البحـثُ في ( دوافعـها ) وروابطـها.. ولذلك سـأتناول بإيجـاز (نوعـين) من العـلاقات بينهما ( تبايـن) تام في الشـكل والمضمون .
** أولاً / العلاقات ( المادية ) :
علاقـاتٌ (شـاعَ) أمرها مؤخـراً بين الناس! أصحابُها (يتحايلون) على المبادئ، فيتظاهرون بالمثالية ( الزائـفة ) التي (طَـغَت) على تعاملهم، فالعلاقات من منظـورهم ( القاصـر ) ماهي إلا (وسـيلة )، فجـعلوا منها ( سُـلّماً ) يتسـلَّقونهُ لنـيلِ مبتغـاهم، و ( جـسراً ) يعــبُرونه لتحقيقِ مـرادهم! ولقد أرخصـوا ( قِـيَم ) العـلاقات، فلم تكتسب عـلاقاتهم ( قِـيمة )، ولم يعُـد لها ( شأناً ) فباتت تحكمها (مصالحهم)، وكَسْـبُ المصالح هو مَـرادُ علاقاتهم و (غايتهم) الكبرى!!
وعند الشدائد يتجـلى( زيـف ) أصحابُ هذه العلاقات، فلاتنخدع حين تعجـبك ابتسـاماتهم ( المصطنعة )، أو تجـذبك أحــاديثهم ( المُنمّـقـة )، فكُـلُ ذلك في سـبيل الوصـول لأهدافهم ( الرخـيصة )، وإذا ماتحـقق لهم ذلك فإنهم حـينئذٍ يُحـدثون ( الاختلاف ) وسـرعان مايصـيِّرونه ( خـلافاً ) ليصنعوا منه ( حـاجـزاً ) رغبـةً منهم بوضـعِ (حـدٍ) لعـلاقـةٍ نالوا عن طـريقها ما قد سـعوا له !
هكـذا ( منهـجُهم ) حين ( تنتفي ) المصالح ( تختفي )العـلاقات ! ومثل هـؤلاء ليس لديهم ( مـبدأ ) يحـكم عـقولهم وينـير بصـائرهم، فما كان منهم إلا أن جـعلوا من أنفسهم ( أسـرى ) لأهوائهم!! فما هو موقفـهم وحُـمرةُ ( الخجل ) تصـبغُ وجوههـم تلك التي ( اسـتداروا ) بـها ( ليـتواروا ) عن الأنظـار بعـد أن ســقط عـنها ( القـناع ) وأُزيــح ( الستار ) وانكـشف ( المسـتور )، وبانت الحـقيقة و( تبـدَّى ) وجـهها للأعــيان؟ ! فهل رضـيتُم ياهـؤلاء بالهـوانِ على أنفـسكم ؟وأنتـم تسـلكون سُـبُلَ الإنحـطاط ؟! فماذا عســاكم فاعلـون ؟!!
** ثانـياً / عـلاقةُ ( الصـداقة ) الرّوحـيَّة:
الصـداقةُ مفهـومٌ ( واسـع ) لايُخـتزلُ في ( لفـظٍ) يُذكـر ولا ( عـبارةٍ ) تُســطّر ،فهي ذاتُ معـانٍ ( عميقة )تفـوقُ كل ثمـن،وروابـطٌ (وثيقـة) لا تنحـل بمرور الزمـن،ومن أهم (دوافـع)هذه العلاقة هي ( المحـبة ) التي تنبـضُ بها قـلوبٌ قد مـلأها (الصـفاء )، وجَامِـعُهـا ( إخــلاصٌ ) يكـتنفُ رُفقَـةً يســودها ( الإخـاء )،ورابطُــها المتيـن هو (صـدقُ ) المعـاملة والتـعامُل حتى أضحـى عـنوانها (النـقاء)، وشعـارها ( الإيـثـار ) ، فالصديقُ ( حقاً ) من يؤثـرُ صديقه على نفسـه ،( يحـملُ ) همـه و( يهتـمُ ) لأمـرِه !! فالصـداقةُ مقـامُها ( رفـيع ) وشأنُـها (عظيم) فهي ذاتُ فضـيلةٌ ثابـتة لا( تُغـيرها) الظـروف، ومقاصدٌ (نبيـلة) لا(تُسـيّرها)المصالح! ولا ( يرتقي )لأعـلى مـراتبها إلا من كان ( وفياً )، يحـفظُ (سـر ) صديـقه ،ويصـونُ صـداقته..
فـمن أراد أن يُشـيّـدَ ( قصــراً ) مـن الصـداقة فليكـنِ ( الوفــاء ) هو أسـاسهُ الذي يُـبنى عليه ،( والإحترام ) سـيّدهُ الذي ( يحكمه) ليستمر القصرُ (راسخاً) ويدومُ ( شامخاً )!
** رسـالةٌ للنقي و الوفي في عـلاقاته **
أيُـها الشـخصُ الذي( تحـلّى) بالقِيَـم في عـلاقاته مـع الآخـرين ، فلو أن الزمـان قد أظهَــر لك ( سـوء ) بعـض العـلاقات وكَـشَـفَ عـن زيــفِ أصـحابـها ،فعلـيك أن تكُـنْ كما أنت ،فأنتَ من الـتزمَ بـ ( حُسـْن ) المبادئ ، و اتسـمَ بــ ( كـرم ) الأخـلاق ، فلا تتـنازلُ عن ذلك لكي لا تـنزلق في ( وحــلهم )، و لاتأسَ على مافات، فأنت أسـمى منهـم (مـنزلة)، وأجـلُّ ( قـدراً )، وهم لايستـحقون شخصاً بـقامتك ! واجعل سـوء عـلاقتهم أمـراً من ( الماضي ) حتى تأخـذُ طـريقها نحـو ( الإندثار )! وأما أصـحاب هذه العـلاقة فاجـعلهم من ورائك ينظـرون إليك وأنت تخـطو بثباتٍ في طـريقك ، تدهـسُ ( العـثرات ) ، وتواصـلُ (المسـير ) نحـو ( القـمة ) !! وحينها لن يراكَ ( المُـزيفون ) مالم يحـدقوا أنظـارهم للأعلى، ( فيحلمون ) أن يكونوا مثلك ، و( يعـجزون ) عن الوصول إليك ..
** خاتمـة ***
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
جزى اللهُ الشـدائدَ كُلّ خـيرٍ
وإن كانت تُغـصصُني بِـرِيقـِي
وما شُـكري لها حـمدًا ولكـن
عـرفتُ بها عـدوّي من صديقي
إبراهيم بن محمد السلمي – مكة المكرمة
مقالات سابقة للكاتب