كفـى بأهلِ العلـمِ شـرفاً وفضـلاً قول الله تعالى:(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)!! فأيُّ شرفٍ يضاهيه؟ وأيُّ فضلٍ يوازيـه؟! وسأتحدثُ هنا عن (أنموذجٍ )يُضـرب به المثل في طلب(العـلم)والسيرُ على طريقه ( بعـزمٍ )قـوي وخُطـى ثابتـة… فمن الوفاء له أن نذكرَ (فضله) ونشكر (معروفه) نظـير ماقدَّم من علمٍ فضيل وعملٍ جليل..!
( لامُحـال أمام عـزم الرجـال) … هذه المقولة لقد جسّدها (واقـعاً) وأكّـدها (حقيـقةً) والدي الشـيخ/محمد بن سعيدان النقريني السُـلمي رحمه الله قبل أكثـر من خمسـة وستـين عاماً فقد كان حريصاً على تعلّم ( القـرآن ) والتفقّه في الدين(ليسـتضئ) بنـوره في زمنٍ يغلبُ فيه الجهل ولايحصل العلم الشرعي آنذاك إلا بالهجـرةِ من القـرى والتنقـلُ بيـن المدن ،ففي عام ١٣٧٨هـ سـافـرَ من الحجـاز ( طلبـاً ) للعلم فسـلك طريقه الشـائك ومضى قُدماً (واثق )الخُطى فتجـاوزَ الصعـاب (بقـوة )العزم واجتازَ العقـبات (بثقـةٍ) وثبـات، حتى قـدِمَ الرياضَ (والتحقَ) بمدرسـة تحفيظ القرآن الكريم الأولى والمعروفة بمدارس الشيخ محمد بن أحمد بن سنان لمدة ثلاث سنوات، ففيها تلقى تعليم القـرآن والتوحيـد والفقـه وفي عام ١٣٨١هـ (استأنفَ) رحلتـه العلمية متوجـهاً إلى مدينة رسـول الله صـلى الله عليه وسـلم فالتحق بدار (الحديث) المدنية لمدة عامين ودرس بها العلومَ (الشرعية) و(السنة) النبوية، وكان حريصاً حينها على حضور (حِـلق) العلم والدروس التي تُعقد بالحرم النبوي على أيدي كبار (العلماء) وخصوصاً الشيخ العلّامة عبدالعزيز ابن باز رحمه الله ، وبعد انقضاء عامين من دراسته بدار الحديث أوصاهُ الشيخ ابن باز نائب مُدير الجامعة الإسلامية آنذاك وطلب منه الإلتحاق بالجامعة والتي لم يكـد يمضي على إنشائها حينئذ ثلاثة أعوام فالتحقَ بالمعهد ( الثانوي ) التابع للجامعة وتخرّج منه عام ١٣٨٦هـ وفي عام ١٣٩٠ /١٣٩١م حصل على الإجازة العالية الليسانس (البكالوريوس) من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية ، وفي عام ١٣٩١هـ تم تعييـنه (مُعلّماً) تابعاً لوزارة المعارف (وزارة التعليم ) حالياً، وبدأ رحلته التعليمية مُعلّماً في مركز ثُوَل التابع لمُحافظة جدة ، ثم انتقل إلى مُحافظة الكامل ومنها إلى مكة المكرمة ففيها استقـر واستمر في الحقل التعليمي حتى أُحيل للتقاعد في ١ / ٧ / ١٤١٥هـ …
رجلٌ مآثره محمودة ومناقبهُ مشهودة في المجتمع عامةً وفي قبيلته بوجـهٍ خاص ولايسع المجال لحصرها ولكن لعلّي أوجزُ بعضاً منها ما استطعت! فبعد تعييـنه في عام ١٤٠٠هـ ( إماماً ) لمسجـدالحي الذي يقطـنه، ولعـلمه بأهمية المسجـد ودوره في العـلم قام ( بإنشاء) حلقة لتحفيظ القرآن الكريم على ( نفقته ) الخاصة وذلك قبل خمسـة وثلاثـونَ عاماً حتى تولّت الجمعـية مسؤولية الإشـرافُ عليها، واسـتمر في دعـمه المادي والمعنوي للمعلّم والطالب على حدٍ سـواء وذلك في سـبيل استمرارها، وما زالت الحلَقة مستمرة وعددُ الذين أتمُّـوا حفـظ القرآن كاملاً بفضل الله لايقّل عن عشـرين طالباً إضافـةً إلى المئات الذين سـبق وإن حفظوا عدةَ أجزاءٍ متفاوتة ! ومساهماتٌه مُتعددة في أوجه الخير المتنوعـة ومن أهمها بناء المساجد، كما أنه صاحب أيادي بيضاء تجودُ بالإنفاقِ و(العطاء)على ذوي الحاجة والفقراء !!
ومما عُـرِف به أيضـاً ( إصلاح )ذات البيـن فقد كان(يبذل) جاهه وماله في سبيـل الصلح والإصلاح ، فكما وهبه الله العلم فقد وهبه(القبول) بين الناس فلا يسعى في صُلحٍ إلا وفقه الله في مسـاعيه وسـدده ..
وإذا ماتحدثتُ عن( مناقبـه) في قبيلتـه ففضله الكبيـر لا عـدَّ له ولا حـد ! يُعلّـمُ كبـار السـن أمور دينهم ويوضـح لهم أحكـامهُ ،( ويُعينهم ) على قضاء شـؤونهم ولا يألوا جهـداً للقيام بكل ما من شأنه يحـقق لهم الخير والنفع ، وكان يدعـوهم بإصـرار لأن يلتحق أبنائهم بالتعليم ، فأوجدَ لهم الحلول لكل ما قد يحول بينهم وبين تعليم أبنائهم، فذلّلَ المصاعبَ، وأزالَ العوائـق، ومهّـدَ طريقَ العلم ليسـلكوه، وإذا مالتحقوا بالمدارس (تلمّـسَ) احتياجاتهم المادية والمعنوية فلا يبخلُ عليهم من ذلك بشئ ! ينظـرُ إليهم بعـينِ الأب(الحاني)ذو القلب(الرحيم)، ويرون فيـه الملجأ لهم والأمـان !! جهوده الرشيدة ومساعيه الحميـده، قوبلت بالمواقف المُشرّفة من أفراد القبيلة وأبناؤها فهم يعلمون (اسـتقامته)ورشـاده ويدركون (حِكمَةَ ) رأيه (وسداده )وقد كان فيهم(مُطاعاً )،مما ساهم بفضل الله أن أصبحت قبيلته اليوم (منارة) للعلم والمعرفة في شتى العلوم ومختلف المجالات حتى باتَ أبناؤها (أساسٌ ) راسخ في بناء مجتمعهم ( وعمادٌ )شامخ ترقى عليه أُمتهـم..
وإنني لأعلمُ يقيـناً وإن سطّـرنا المجلدات ونظمنا المعلّقات فلن نوفيه ولو جزءًا يسيراً مما يستحقه!
فاللهم جازه عنا خير الجزاء وأعظمه ، وارفع مقامه في الدرجـات العُلى من الجنة ..
*ومضة*
مات قومٌ وما ماتت فضائلهم!!!
إبراهيم بن محمد السُلمي _مكة المكرمة
Email/ [email protected]
@ibrahimsolami
مقالات سابقة للكاتب