التأثير في جوهره ليس مجرد فعلٍ عابر،أو كلمةٍ تُقال ثم تتلاشى في فضاء النسيان. التأثير هو الشرارة الأولى التي توقظ الساكن، وتفتح نافذة جديدة على الوعي.
غير أن الشرارة وحدها لا تكفي، فهي إن لم تجد ما يغذيها تحولت إلى رمادٍ لا حياة فيه.
هنا يأتي الأثر ليكون الامتداد الطبيعي للتأثير؛ فالأثر هو العلامة التي تظل محفورة في العقل والروح، تذكّر بما كان وتبني على ما سيكون.
لكن الأثر وحده، مهما كان عميقًا، يبقى محدود الدائرة إن لم يجد سبيلًا إلى الانتشار.
فالانتشار هو الذي يحوّل الفكرة إلى حركة، والصوت الفردي إلى صدى جمعي، واللحظة الفردية إلى مسارٍ ممتد عبر الأجيال.
التأثير + الأثر + الانتشار = معادلة الاستدامة.
إنها معادلة لا تعترف بزمن ولا مكان، بل تعيد تعريف الخلود في عالم يتغير بسرعة.
الاستدامة هنا ليست مجرد استمرار ميكانيكي، بل هي بقاء الوعي حيًا، يتجدد مع كل قارئ وسامع ومُشاهد.
الاستدامة تعني أن الفكرة لم تُسجن في زمنها، بل كسرت جدار اللحظة لتصبح جزءًا من تيار أكبر.
كل فكرة تحمل بذرة حياة، فإذا سُقيت بالأثر ونُشرت بالانتشار، فإنها تقتل الاندثار وتمنح صاحبها حضورًا يتجاوز جسده ووقته.
في الفلسفة القديمة كان الإنسان يخشى الموت الجسدي، أما في الوعي المعاصر فإن الخوف الأكبر هو الموت المعنوي؛ أن يمرّ الإنسان بلا أثر، وأن يُطوى اسمه في صفحات لا يقرؤها أحد.
وهنا تكمن عظمة الاستدامة: إنها ليست مجرد حياة للفكرة، بل حياة للإنسان من خلال فكرته.
فالتأثير إذن هو البداية،والأثر هو الذاكرة، والانتشار هو الجسر، أما الاستدامة فهي الحياة الثانية التي ترفض أن تعترف بالاندثار.
إنها فلسفة تقول:
“أنت لست ما تفعله اليوم فقط، بل ما يبقى من فعلك غدًا… وما يتوارثه الناس من رسالتك بعد غيابك.”
خبير التدريب المستشار
أ. إبراهيم بن عبدالله الشريف
مقالات سابقة للكاتب