يُعد الحوار فناً من فنون الكلام والمحادثة، وأسلوباً من أساليب العلم والمعرفة، ومنهجاً من مناهج الوعي والثقافة، عمدت إليه الأُسر في تواصلها وتفاعلها مع غيرها، واعتمده الأنبياء والرسل في دعوة البشرية إلى طريق الخير والصلاح؛ وذلك لما للحوار من أثر إيجابي في تنمية قدرة الأفراد على التفكير، والتحليل، والاستدلال.
وفن الحوار في الأسرة هو: مهارة أفراد الأسرة على التواصل، والاتصال اللفظي وغير اللفظي بعضهم مع بعض، في أي أمر من أمور الحياة بطريقة متكافئة، بعيدة عن الجمود والعنف؛ وذلك لإظهار الحق والتوصل إليه، مع تقبل رأي الفرد الآخر، ضمن ضوابط وأسس متعارف عليها.
وتكمُن أهمية فن الحوار في تأهيل الأسرة كونها المصدر الأول للأولاد، وتنشئتهم التنشئة السليمة، البعيدة عن الوقوع في لوثات الانحراف الخلقي، والفكري، والسلوكي، مما ينتج عنه فهم كل فرد لدوره الأسري، واحترام آراء الآخرين، والحد من مشكلات الطلاق.
ولنجاح فن الحوار في الأسرة، لابد من استخدام آليات تفعيل نظرية وعملية (داخل الأسرة وخارجها)؛ فالنظرية تتمثل في الإصغاء التام، والنظر إلى وجه المتحدث، والإنصات له حتى يفرغ من كلامه، فالاستماع والإنصات يقودان إلى فتح القلوب، واحترام أفراد الأسرة بعضهم لبعض، ومن أروع النماذج على ذلك: قصة إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام.
كما أن اجتناب رفع الصوت، وعفة اللسان، والمحافظة على الهدوء، وضبط النفس عند الغضب، هو الأسلوب الأمثل، والمناخ الصحي للحوار الأسري الناجح، فالغضب خلق ذميم، نهى الإسلام عنه؛ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما جاءه رجل فقال: أوصني، قال: (لا تغضب) ، فردد مراراً قال: (لا تغضب).
وتنطلق الآليات العملية الداخلية من إيجاد العلاقة الإيجابية بين أفراد الأسرة، وذلك بعقد اجتماع أسري يومياً، أو أسبوعياً؛ لمناقشة ما يهم الأسرة من رغبات ومتطلبات وغيرها، يتدرب فيه الأولاد على منهجية الحوار الفعال، مع مراعاة الآباء أثناء الحوار لاستخدام أسلوب الحوار القرآني مع أولادهم.
أما الآليات العملية الخارجية، فتبدأ من المسجد الذي يغرس قيمة الحوار في نفوس الأفراد، وفي المدرسة التي تتبنى المنهج الحواري في الكتاب المدرسي، ويتبناه المعلم في طريقة تدريسه لطلابه، ومروراً بالإعلام الذي يرسخ فن الحوار في عقول الأفراد، من خلال إعداد برامج إعلامية مرئية، ومقروءة، ومسموعة، وتقنية، وانتهاءً بإقامة لقاءات، أو دورات تدريبية في فن التعامل مع الآخرين في جميع المدن والقرى، ولا شك أن كل ذلك يُسهم في بناء جيل مثقف وواعٍ، يحسن فن الحوار الذي هو طريق مضيء لمستقبل، وسعادة كل أسرة.
بقلم: د. سارة بنت إبراهيم الشهيل
عضو هيئة تدريس-جامعة الملك سعود
دكتوراه ثقافة إسلامية
[email protected]
مقالات سابقة للكاتب