في عام 1945، و في السادس من أغسطس ، و في تمام الساعة الثامنة و الربع صباحاً ، و عند خروج الطلاب إلى مدارسهم و الموظفين إلى مكاتبهم و العمال إلى مصانعهم و ربات البيوت لتنظيف بيوتهم و تجهيز طعام الغداء لأولادهم عند عودتهم من مدارسهم ، و يا للأسف لم يعد إلا القليل و الذي عاد لم يجد البيت و لا الأهل، في ذاك الوقت استيقظت البشرية على أكبر جريمة بشعة ، أو بتعبير آخر أكبر عملية شواء في تاريخيها ، في ذلك اليوم قررت الإدارة الأمريكية إلقاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما.
و في غياب الإنسانية و الرحمة و حضور الحيوانية و الحقد المقيت اختارت هذه الإدارة الساعة 8:15 صباحاً لتحصد أكبر عدد من المدنيين العُزل من نساء و أطفال و عمال ، علماً أن اليابان كانت على وشك الاستسلام و تنتظر الوساطة الروسية لكن إجرام الرجل الغربي و حقده طغى على كل معاني الإنسانية حتى لو ادعى عكس ذلك .
ألقيت القنبلة في ذلك الصباح ، و كانت درجة حرارة الانفجار 4000 درجة مئوية ، و بنهاية عام 1945 بلغت حصيلة الضحايا 140 ألف ضحية ، و مع نهاية عام 1950 كان قد بلغ عدد الضحايا 200 ألف .
أما الناجون فبدت عليهم الحرارة المرتفعة والغثيان المزمن و نزيف من الفم و العينين و نزيف داخلي و تساقط في الشعر ليكتشفوا أنهم مصابون بالسمم الإشعاعي ، من لم يمت حرقاً مات موتاً بطيئاً بالإشعاع النووي .
الكثير تكلموا أو كتبوا عن القنبلة و طريقة تصنيعها و عن الآثار الكارثية التي خلقتها ، و حرق أولئك العزل ، و المأساة التي سببتها لمن عاشوا بالسم في أجسادهم .
لكننا لن نجد إلا القليل ممن كتب عن ذلك العالم الذي اكتشف هذا السلاح المميت و كيف سخر علمه لهلاك أمة من البشر ، أو تلك الإدارة التي قررت إلقاء القنبلة و اختارت الساعة 8:15 صباحاً وقت خروج المدنيين العزل .
في هذا الموقف تتجلى شخصية الرجل الغربي بغطرسته و نظرته الفوقية على كل البشر حتى لو ادعى الديمقراطية و الحرية و السلام فهو لا يسعى إلا لمصالحه و أطماعه حتى لو كان على حساب البشر .
فالرئيس الامريكي ترومان الذي أمر بإلقاء القنبلة لم يساوره أي ندم أو تأنيب ضمير و هو يرى آلاف البشر يموتون حرقاً أو تسمم و آلاف المنازل و الكنائس و المدارس و المستشفيات صارت أثر بعد عين ، بل أظهر الفرح و السرور و نشوة الانتصار .
عندما تقرأ هذا التاريخ المظلم من تاريخ البشرية و ما وصلت إليه من انحدار نحو الحيوانية ، يتجلى لك نور في الأُفق و يقول لك ماذا تقول في قائد يقول لجيشه و هو يوصيهم عند الحرب : اغزوا جميعًا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، فهذا عَهْدُ اللهِ وسيرة نبيّه فيكم.
ماذا تقول أيضاً و هو يوصيهم بعدم فساد الأرض فيقول لهم :
ولا تَقْطَعَنَّ شَجَرَةٍ وَلا تَعْقِرَنَّ نَخْلًا ولا تَهْدِمُوا بَيْتًا”
لا نقول إلا طبت حياً او ميتاً يا رسول الله يا معلم البشرية و يا هادي الإنسانية .
حماد رازن الصحفي
مقالات سابقة للكاتب