♦ الملخص:
فتاة أحبَّتْ شخصًا كان يعطف عليها، ثم أصبَح طيفُه يُسيطر على حياتها، وتسأل: ماذا تفعَل؟
♦ التفاصيل:
أنا فتاة عمري ٢١ سنة، أحببتُ شخصًا، ولا أعلم كيف أصبح هذا الشخص يعجبني يومًا بعد يومًا، يكبُرني بعشر سنين، أو ربما أكثر، لكن على الرغم من ذلك، فهو يفهم ما قد يجول في نفسي، وكان يعطف عليَّ بحكم منصبه، ويراعي كوني صغيرة وجاهلة ببعض الأمور، أكره حقيقة اعترافي بحبه، لكني كنتُ أشعُر بشيءٍ من الأمان معه.
حقيقةً أنا عاقلة بعض الشيء، تحمَّلت الكثير من المسؤولية منذ صغري، لا وقت لدي للحب ولا للفرح، حزينة دومًا وجديَّة، حازمة بالرغم من عفوية شخصيتي وارتجالي، معظم وقتي صامتة في المنزل لظروف عائلية، منبوذة من قِبَل والدتي، ودومًا ما تلقي عصبيَّتها وغضبها عليَّ، أختي الكبرى كذلك، لذا أُغلق باب غرفتي، وأعتني بإخوتي الصغار، وأكتفي بالصمت ولا شيء سواه.
كنتُ أتجنَّب هذا الشخص بعدما أدركتُ حبي له، الآن لا يوجد بيننا تواصل ولا شيء، لكن أنا أعاني من ذكراه وطَيفه، تطور الوضع وأصبحت لا أقدِر على التركيز في أي شيء في حياتي، فطيفه دائمًا في بالي.
أريد حسمَ هذا الأمر ونسيانه، لأني تعِبت ولا أستطيع الدراسة ومواصلة حياتي بسببه، أمضي الساعات والليالي والأيام أفكِّر فيه، فماذا أفعل؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين؛ أما بعد:
فيبدو من رسالتكِ أنكِ فقدتِ الحنان والعطف والاهتمام من الأبوين، وعندما التقيتِ بهذا الشخص أشبع عاطفتكِ المفقودة؛ بأسلوبه الرقيق، وحسن تعامله، ومراعاته لشعوركِ، ما جعله يكبر في نظركِ، وزاد حبه في قلبكِ، حتى أصبح عشقًا وتعلقًا، وصورة لا تفارق الخيال؛ لذا لعلنا نناقش القضية برويَّةٍ وتعقل وتفهم وتأصيل شرعي، وبناء لحياة مستقبلية، وقد ذكرتِ أنكِ عاقلة وصامتة، ومهتمة بواجباتكِ، وصاحبة حكمة وروية.
أختي الكريمة، لتعلمي أن القلب إذا تعلق بغير الله، وكله الله إلى ما تعلق به؛ قال ابن القيم في مدارج السالكين: “التعلق بغير الله تبارك تعالى – أي: من القلب – وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق، فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه، وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله، وكله الله إلى ما تعلق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه، فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل”.
ولهذا أوصي بالآتي:
١- لتعلمي أن هذا الشخص أجنبيٌّ عنكِ لا يحل لكِ إلا إذا تزوجكِ على شرع الله؛ ولهذا لا يجوز التعلق به والاهتمام طالما هو أجنبي، وهذا تعبد لله تعالى.
٢- لا تسترسلي مع خيالكِ لصورة هذا الرجل وأعماله التي قدَّمها لكِ، ولا تربطي حلَّ ما تواجهين من أزمات بهذا الرجل، ويقول لكِ الشيطان: لو كان فلان بجانبك لساعدك، كل هذا من نزعات الشيطان ووسوسته.
٣- اعتبري المواقف التي وقفها معكِ في بعض الظروف مواقفَ إنسانية حصلت وانتهت في وقتها.
٤- لتعلمي أن الله جعل في غير هذا الرجل صفاتٍ أعلى وأجل من التعاون والكرم والأخلاق، فلعل الله أن يرزقكِ زوجًا يفوقه في التعامل الراقي والأخلاق العالية؛ قال تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].
٥- حتى يذهب عنكِ هذا الخيال والصورة الذهنية التي تتمثل لكِ بصورته، عليكِ أن تعلمي أنه يصعب عليكِ تحقيق مرادكِ، إن لم يكن هناك طلب منه للزواج وموافقة من أهلكِ، وقد يصعب هذا، فاصرِفي النظر نهائيًّا، واجعليه من المستحيل في ذهنكِ.
٦- لا تتابعي أخباره لا في التواصل الاجتماعي، ولا بالاتصال أو المتابعة لحسابه، أو لما يكتُب، أو يرسل، وإن لديكِ رقم له فتخلصي منه.
٧- تذكَّري المواقف السلبية لهذا الرجل، واجعليها نُصب العين؛ لتصرف عنكِ هذا الخيال لصورته.
٨- استعيني بالصبر والصلاة، واسألي الله أن يصرف عنكِ هذا البلاء.
٩- الدعاء واللجوء إلى الله أن يصرف قلبكِ عن كل سوء وفحشاء، وأن يقر عينكِ بما يُرضي الله تعالى.
١٠- قوِّي صلتكِ بالأخوات الصالحات؛ فإنهنَّ خيرُ معينٍ على طاعة الله تعالى.
١١- عليكِ بوقت السحر بدعوة صادقة أن يصرف قلبكِ له وحده دون سواه.
١٢- راجعي نفسكِ واسأليها: لماذا تتعلق بمخلوق ضعيف لا يغني عنكِ من الله شيئًا؟ تكونين في هم وغم وتفكير، فما الذي تريد منه؟ هل إذا مرضتِ يشفيكِ؟ هل إذا ضللتِ يهديكِ؟ هل يطعمكِ ويسقيكِ؟ لا يغني عنكِ من الله شيئًا، فاتقي الله، وخذي بالأسباب التي من أعظمها الدعوة الصادقة أن يخلص الله قلبكِ له وحده لا شريك له.
١٣- المحافظة على الصلوات الخمس بدءًا بالفرائض، ومن ثَمَّ النوافل.
١٤- كثرة ذكر الله تعالى، وسماع المحاضرات والمواعظ التي ترقق القلوب وتشرح الصدور، وتريح النفوس؛ ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
١٥- الزمي طاعة والديكِ وخاصة والدتكِ، واطلبي منها الدعاء لكِ بصلاح القلب وسعادة النفس.
١٦- ركزي على دراستكِ وعلى مستقبلك، واطوي صفحات الماضي.
١٧- جددي التوبة مع الله تعالى، وأقلعي فورًا عن المعصية، واندمي على ما مضى وأنت متلبسة بها، واعزمي على عدم العودة لها.
أسأل الله تعالى أن يصرف عن قلبكِ كل سوء ومكروه، وأن يثبتكِ على الحق، ويكتب لكِ السعادة وراحة البال؛ إنه جوَاد كريم.
المستشار الأسري
د. صلاح محمد الشيخ
دكتوراة من الجامعة الاسلامية كلية الدعوة وأصول الدين – قسم التربية
ماجستير من جامعة أم القرى – كلية التربية – قسم التربية
دبلوم المستشار الأسري
دورة مهارات تقديم الاستشارات الأسرية عبر الهاتف
خبرة في مجال التربية والتعليم تزيد عن ٢٦ سنةً