من حكمة الله تعالى أنه خلق الأيام والليالي وجعلها آجال لعباده ومقادير أعمالهم، ثم جعل فيها مواسم وأيام فضل بعضها على بعض، حيث جعل لبعض الأيام فضل عن غيرها فخصها بخيرات، وجعلها مواسم طاعة وعبادة ومكاسب عظيمة، وضاعف فيها الحسنات وتكفير السيئات ، ومن هذه الأيام يوم عرفةٍ، حيث عظم الله تعالى أمر الأيام العشر من ذي الحجة ومنها يوم عرفه، ورفع قدره، وأقسم به سبحانه في كتابه الكريم والله لا يُقسم إلّا بعظيم ، فهو أحد الأيّام المعلومات ، قال تعالى : (وَلَيَالٍ عَشْرٍ). الفجر.
وقال تعالى : ” وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ” سورة البروج وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليوم الموعود : يوم القيامة، واليوم المشهود، يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة) رواه الترمذي وحسنه الألباني .
هذا اليوم هو يوم النفحات الإلهية ، والرحمات الربانية ، يوم البذل والعطاء ، يوم أكمل الله عز وجل فيه الدين ، وأتم على عباده نعمة الإسلام قال تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
قال الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شأن هذه الأية : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات ، في يوم جمعة “وإتمام الدين من اعظم النعم التي منحها الله لنا في يوم عرفة .. والتي تستلزم من المسلم استحضارها وشكر الله عليها فهي إتمام للدين واكتمال للمحجة البضاء والتي لايزيق عنها إلا هالك .
ومن عظيم فضل الله الواسع على عباده في هذا اليوم أنه لم يقتصر على قاصدي الحج ، فإذا كان الحجاج يقفون بمشعر عرفاتٍ ، و يتنعمون برحمات الله تعالى ، فإنّ أبواب الرحمة والمغفره والعتق مفتوحةٌ للمسلمين جميعا ، سواء في أعمالهم وحياتهم أو ممن يجلسون في بيوتهم ويراقبون المشهد من بعيد ، فهؤلاء يتعين عليهم استثمار يوم عرفه أحسن وأفضل استثمار بالنظر إلى عهد السلف الصالح منذ عهد رسولنا صلى الله عليه وسلم كيف كان عملهم في يوم عرفه منذ طلوع الشمس حتى غروبها استشعاراً لقيمة هذا اليوم وتعظيمه في النفس ، والحرص على صيامه ، وإدراك فضل هذه العبادة ، وأنها تكفر سنه ماضيه وسنة قادمه..
والعزم والإجتهاد على الإكثار من الأعمال الصالحة وإخلاص النية فيها ، وأولها الصلاة ، وقراءة القرآن والصدقة ، وما أكثر أبواب الإنفاق والعطاء ، والأقربون أولى بالمعروف ، والحرص على الإكثار من الذكر والدعاء ، والحرص الشديد على عدم ضياع ساعات هذا اليوم في أمور تأجيلها لا يعطل مصلحه .
فالمرء قد ينشغل ببعض أمور الحياة إلا أن لهذا اليوم فضل يستوجب الحرص على اغتنامه ، وما أعظمه من فضل وما أكرمه من عطاء .
ولعل الفضل يكتمل ونحن نستشعر قيمة يوم عرفه مع من حولنا ، أسرنا وأبنائنا صغاراً وكباراً ، لنزرع فيهم فضل هذا اليوم ، ونعودهم على استثماره ، فكل طاعة فيه هي باب رحمة من الله، فهي صلاح في الدنيا ورفعة في الأخرة .
اللهم بلغنا ووفقنا للأعمال الصالحة في يوم عرفة
واجعل لنا فيه عمل صالح ودعاء مقبول يارب وفي سائر أيام حياتنا واختم لنا بالصالحات .
نويفعة صالح الصحفي
رئيسة المجلس الاستشاري النسائي
ورئيسة اللجنة الثقافية النسائية بمحافظة خليص
ومشرفة العلوم الشرعية بمكتب تعليم خليص
ورئيسة مركز فتاة غران
مقالات سابقة للكاتب