أرض السد

سماء قاتمة سوداء ، أرض قاحلة جرداء ، لم نعد نرى النور ولا نلامس الظل ، تخلت الأرض عن الكل ، حتى النوق أصبحت حدبا حدابير ، ولم نعد نسمع زقزقة العصافير ، فسايرتها السماء فلم نعد نرى منها إلا لمعان برقها وجلجلة رعودها حتى نجومها توارت واستمر الحال على هذا الحال …

أظلمت الدنيا في عيني وهزني حنيني ، يا سماء خاطبيني ؟ ، وإذا بها تعتصر ألماً وتحبس دموعها دون أي إجابه ..

رحلت غاضباً وأنا أفكر وأفكر وطال مغيبي ، ولكن زاد حنيني ، فرجعت مسرعاً فإذا بالكثير قد تغير ، وزاد إصراري لمعرفة ما جرى.

فصرخت بأعلى الصوت : يا أرض أنت أرضي أنت حبي أنا منك أنا فيك أنا إبنك وابن إبنك ، أقسم بمن سواك أني صادق فأجيبيني ؟؟ .

( الأرض ) : فإذا بها ترتعش فرحاً وتقول سأحكي لك قصتي ، بعد بضع سنين عجاف مرت ، جاءني ذات ليلة ثلاثة أشخاص يتفقدوني أحوالي وبيد كل واحد منهم بذره ، وفي الليلة التي تليها ألقوا بذورهم وإذا بالعدد يزداد كل ليلة عن التي قبلها ، ألب علي الناس ، فمنهم من يأتي متردداً ولا يلقي ما يحمل من بذور ، ولكنه يعود ويلقي أضعاف ماحمل في المرة الأولى ، وأخبروني أنهم سيتفقدون إحتياجاتي كل عامين ، ويجمعون محاصيلهم باستمرار .

( أنا ) : قاطعتها أردت أن أنتهز الفرصه وأثني على أحبتي ، وذكرت أبياتاً لأبو الكرم حاتم الطائي :

                    مهلا نوار أقل اللوم والعذلا            *         ولا تقول لشي فات ما فعلا

                   يرى البخيل سبيل المال واحدة      *         إن الجواد يرى في ماله سبلا

وأردفت الأرض قائلة ..

( الأرض ) : ما زاد سروري أنه تفشى في شتى البقاع رمي البذور ، يريدون أن تصل لبلدانهم التنمية التي أصبحت كبداية مستحسنة من الجميع ، وها أنا ذا أصرخ صمتاً وأحدق في السماء ، أتمنى منها أن لا تخذلني ، وإذا بها تبكي فرحاً ، فإذا بالمطر يغسلني ويغسل كل ماعلي ، فزال حزني والكدر ولم يبقى له أثر ، فكساني الخضار ، وارتوت كل الأشجار ، حتى من زارني لم يعد يعرفني ، فهنا يسمع هديل الحمام ، وهنا شجرة اللبان ( الأساس ) يجتمع تحت ظلها مع أهل الدار ، و يرى بجانبه شجرة الأنس التي تجمع الغريب قبل القريب والصغير قبل الكبير ، وفي الزاوية شجرة صغيرة مركزاً لأهل العلوم المنيرة .

بعد ذلك بدت الأرض بدأت متحمسة ومرتبكة في نفس الوقت ، فسألتها ما بك ؟ 

قالت : ها قد إنقضت المدة منذ شهر ولم يأتيني أحد ليجدد زراعته ، ولم أرى أناساً يقدمون على سؤالي ، الكل يترقب بحذر.

يقول جبران خليل جبران ( إذا رضيت فعبر عن رضاك لا تصطنع نصف رضا ، وإذا رفضت فعبر عن رفضك لأن نصف الرفض قبول ) .

( أنا ) : سألتها قائلاً : ماذا تفضلين التجديد أم التغيير ؟

( الأرض ) : التجديد بكل تأكيد ، وبضعة تحسينات لأني أعرفه جيداً ، وأقول للطرف الاخر ماذا ستقدم لي .

( أنا ) : هنا غمرتني سعادة بالغة ، وشعور لا يوصف لأنه في كلا الحالتين التجديد أم التغيير، الكل يريد أن تكون بذوره خير للغير.

 

مقالات سابقة للكاتب

12 تعليق على “أرض السد

سبع الليل

مقال جميل جدا من الاخ مشهور

أبوفادي

غيمة فكر مغيبه او كانت غائبه…ولكني سانتظر وابلها كل يوم

عدنان الصحفي

مقال جدا رائع

يوسف الشيخ

ما شاء الله يا الابن مشهور

عمار الصحفي

سلمت أناملك

أبوأنس

ماشاء الله تبارك الله
أسلوب رائع جداً .. ومقال في الصميم
ولادة كاتب متميز سوف يكون له شأن كبير في عالم الحرف
واصل وستصل بإذن الله إلى ماتصبو إليه
تمنياتي لك بالتوفيق

أبو سعود

رائع جداً لكن ياليت تخفف من الغموض
الهدف غير واضح بالنسبة لي

أبو فارس

أخي كاتبنا مشهور رسالتك معبرة جدا
فبعزيمة الرجال نصنع المجد

مشهور الصحفي

شكرا للجميع على هذه التعليقات المعطره ..سبع الليل ،ابو فادي، عدنان ، عمار ، ابو فارس )
، واتمنى ان اكون عند حسن الظن اخي ومبدعنا ابو انس ،

يوسف الشيخ استاذي وتاج راسي الفضل لكم بعد الله ..

ابو سعود شاكر لك .. المقال فيه بعض الغموض لكي يصف الحاله الانيه التي نمر فيها ….

ايجابي

مرحبا بالحرف الجديد
عفوا اخي مع اطلالة حرفك الأولى الا انك بالغت في الرمزية لدرجة يظهر لي أنه لم يتضح لاحد مقصودك . ليتك تقترب قليلا من الاسلوب السهل البسيط واتخيل انك تملك أدواته .
ننتظر حروفك القادمة بشوق .

مشهور الصحفي

ايجابي ،، شاكر ومقدر لك ؛ لاسمك منك نصيب ..

فاديا

مقال جميل واكثر من رائع
استمر إلى الأمام مشهور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *