هكذا يعيش من بالعالم الآخر

حيثُ ينهار العالم في الجهة المقابلة، حيثُ يقيمُ بعض الجيران احتفالات، حيث يقيم الآخرون جنازات، وحيث الباحثون عن جثث الضائعين، وحيثُ الأطفال الذين ولدو للتّو.. هكذا نعيش.

عشتُ كباقي الأطفال، كبرت كباقي الشباب، وسأموت كباقي المسنين؛ لكنّي في الحقيقة عشتُ عكس اتجاهات الآخرين منذ أن ولد أخي الأصغر مني.

قبل ولادة أخي بساعة سقطت قذيفة على حضن أمي، هربتُ بسرعة لأختبئ تحت أسفل السلالم وصوت بكاء أخي يرنُ على مسامعي، واصفرار وجهه يهزني لم أستطع إنقاذَ أخي؛ لأنّني هربتُ وحدي بعد أن أصبحت أصواتِ القذائف أكثرَ وحشة، لم نحتفل بميلاد أخي، ولم نقرأ الفاتحة حتى؛ لأننا هربنا جميعًا تاركينه خلفنا يبكي وحيدًا لا يعرف شيء غير البرودة المختلفة عن دفء رحم أمي.

هربت بسرعة وشريط ذكرياتي يمر بين البقال، الشجر، الصباحات والألعاب والاحتفالات التي كانت دماء وصوت أخي.

 وصلت إلى حدود دولة أخرى مختلفة تمامًا عني، عن لوني، جنسي، عرقي وديني وذاتي، هويتي وأطفال مختلفون تمامًا عن أخي الذي يبكي وحده.

على لسان أخي: (أتدري لست معتادًا على هذه الحياة؛ لأن بعد الدقائق الأولى التي غادرت خلالها، كففت عن البكاء حتى أني توقفت عن خيالاتي بأن تقيموا لي احتفالات، وكيف سأدخل المدرسة، وكيف سأمسك بثوب أمّي مختبئًا خائفًا من الأساتذة، توقفت عن كل ذلك؛ (لأني مخطئًا بوجودي منذ أن ماتت أمي تحت قذيفة).

نوال عبدالله

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *