فقدت.. والداً

الحمد لله لارادته ولقضائه.. ولا يحمد على مكروه سواه..
نذعن ونستسلم لقدره خيره وشره.
والصلاة والسلام على خير الأنام القائل “إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون “.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين…. وبعد:
تمر بالإنسان في مراحل حياته مواقف ومحطات يكون لها أثر في حياته لا يمكن نسيانها خاصةً التي تُحدث أثراً في نفسه.

وإنني اليوم وأنا أكتب هذه الكلمات تتسابق المشاعر والأحاسيس قبل الكلمات ، وتنخرط الدموع والعبرات قبل الصوت بالكلمات وكتابة العبارات…
لا أجد ما يهونها إلا قول البارئ جل وعلا.. ﴿الَّذينَ إِذا أَصابَتهُم مُصيبَةٌ قالوا إِنّا لِلَّهِ وَإِنّا إِلَيهِ راجِعونَ﴾.

اللهم آجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها..
يوم الاثنين الموافق السادس عشر من ربيع الأول لعام ألف وأربع مئة واثنين وأربعين للهجرة ، فقدت والداً وصديقاً ورفيقاً مخلصاً ناصحاً ، وفقده غيري من المحتسبين في الجهات الخيرية ، وفقده الأيتام والأرامل والمساكين ، وفقدته الجمعيات الخيرية بأنواعها الإغاثية والتعليمية والمهنية الإجتماعية والوقائية ولجان إصلاح ذات البين من مدينة جازان جنوباً إلي مدينة حقل شمالاً.

لعمرك ما الرزية فقد مال ** ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حُرٍ ** يموت بموته خلق كثير

إنه الشيخ “صالح بن ثويني الثنيان” .. أبو أحمد..
عشرون عاماً من الصداقة والوفاء والحب والتقدير ، محطة لها بالغ الأثر في حياتي..

رحمك الله يا أبا أحمد..
علمتنا أن الدنيا مزرعة الآخرة وأن أعظم ما يزرع توحيد الله في قلوب العباد والإخلاص له وتعليم الصلاة كما صلاها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ، وبقية أركان الدين ، والحرص على إتقان سورة الفاتحة وقصار السور لمن فاتهم قطار التعليم.

فلا يوجد قرية ولا هجرة إلا وتكفلت بكامل نفقات المخيمات التوعوية الرسمية وحلقات القرآن الكريم ، ولازالت كلماتك التي تقول لا تشغلكم الدنيا عن نشر العلم والفضيلة.

ننشغل أحيانا وتبادرنا بالإتصال تشعل فينا الهمم وتذكي روح النشاط حينما  يقول : سأذهب معكم على بُعد المسافة وتقدّم السن ، ومن رافقه لايملّ حديثه وبساطته وتواضعه ويضفيك كرماً و خلقاً.

أما عن كرمه : يكرم كل من حضر ولايجارى في هذا ولا يقبل أن يشاركه أحد ، يوقر الكبار ويتواضع للصغار ، بنى كثيراً من المساجد في قرانا وأثثها كاملة ، بنى وأسس الكثير من المشاريع الخيرية ، وأنشأ منازل للمحتاجين وجدد كثيراً منها.

في غالب اتصالاته ، يبادر بالسؤال عن الأمطار ومواقعها ، وعندما راجعته في ذلك قال: هذه رحمة الله يحيي الله بها الأرض ويفرح بها العباد ويكثر الخير.

كان لايحب الإسراف والتبذير ، ومن المواقف: اهتمامه بكيفية توزيع الأكل الزائد ، مررنا ذات يوم نهاراً بقرية وإذا بها مصابيح مضاءة فأظهر غضبه ، لماذا لم تطفأ؟
ماالفائدة. وهكذا ، وينصح دائما بعدم الديْن إلا في أحلك الظروف ، ويرى أن ذلك هم ّ بالليل ومذلة بالنهار ، يصبر الإنسان ويصبره الله.

وقد ذكر من ماضي حياته صعوبة الظروف وقساوتها وكيف تجاوزها بالصبر والمثابرة حتى تسلح بالعلم ، وتخرج من  كلية الشريعة بمكة ، وكيف جمع بين دراسته والعمل ليقوت نفسه وأهله.

وأما عن بره بوالديه: فقد بلغني عنه أنه يبيت جائعا ليال كثر، وما يجمعه من مال قليل فكلّه لوالديه وهو في المرحلة الابتدائية والمتوسطة ينفق عليهم ، وحينما الْتحق بدار التوحيد في مدينة الطائف وهو يقضي وقته بعد الدراسة في البيع والشراء ، يسألني دائماً عن والدتي ويوصيني ببرها ويترحم كثيراً على والديه ، يهتم كثيراً بكبار السن وكثيراً ما يكرمهم بدعمه السخي خاصةً وقت العيدين ليفرحوا مع الناس..

ومن حبه للآخرين ما يحب لنفسه فقد حدثني عن رجل يعرفه حاول التجارة ولم يوفق وجاءه بمال طالباً منه أن ينمّيه له في التجارة، يقول  بفضل الله بعد سنتين وإذا هو أكثر من عشرة أضعاف ، وكان سبباً لتجارة ذلك الرجل.

كان كثير الحمد والشكر لله على نعمه التي لاتعد ولاتحصى ، ويحث على اجتماع الكلمة وطاعة ولاة الأمور وينكر على كل من يخالف ذلك ، وينصح كثيراً باتباع السنة وأخذ العلم من كبار العلماء وخاصة الشيخين: (ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى) .

ويطلب تدريس كتاب الدروس المهمة لعامة الأمة للشيخ ابن باز في المناشط الدعوية التي تقام في القرى والهجر ، رافقته عدة مرات للوقوف على مشاريع خيرية في محافظات الليث ورابغ وخليص والكامل ، همة عالية  ونفس أبية للمعالي تسعى.

رحمك الله يا أبا أحمد..
كيف لي بمثلك ، من يأخذ بيدي إلى فعل الخير والمساهمة فيه ، ومن يوقظ الهمة بعدك لمواصلة السير ، عزاؤنا أنه ترك صروحاً شامخة من المساجد ودور الخير والإصلاح. ، نذكره ووصاياه بها ، وتذكّرنا ببذله وكرمه.

عزاؤنا أنه ترك من الإخوة و الذرية من هم على نهجه ودربه ، عزاؤنا ذكره الطيب وفعله الجميل ، لا نزكيه على الله ، هكذا نحسبه والله حسيبه..

“اللهم اغفرله وارحمه فإنه كان بعبادك راحماً وأكرمه فإنه كان لخلقك كريماً ، كتبت ذلك شهادة بما علمت وناشراً لصاحب الفضل فضله ، مؤملا دعاء كل من يقرأ ذلك لفقيدنا الغالي الشيخ صالح الثنيان” .

“وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه” ……

رجاء الله بن سلطان اللبيني السلمي

مقالات سابقة للكاتب

7 تعليق على “فقدت.. والداً

ابو ياسر

رحمه الله واسكنه فسيح جناته
جزاك الله خير ابو عبد الجواد
لايقفد الرجال الطيبيبن الا منهو على شاكلتهم

محمد مبارك مبروك البشري

الله يرحمه ويغفر ويرحم جميع موتى المسلمين

ناصر جويبر

رحمه الله رحمة واسعة
عظم الله اجركم وجبر مصابكم
تعازينا القلبية شيخنا الفاضل
نسأل الله ان يكتب اجركم

غير معروف

عليان عبدالعلي السلمي
الله يرحمه ويغفر له وجزاك الله بالخير ياابو عبدالجواد
ويكثر من امثالك وماجزاء الاخسان الى الاحسان.

أحمدبن مهنا

رحمه الله وغفر لنا وله وجزاه الله خيرا
وتقبل منه نفقاته وضاعف أجوره
والحمدلله على كل حال

د. حمزة المغربي

رحم الله الشيخ صالح الثنيان رحمة واسعة و أسكنه الفردوس الأعلى من الجنّة و أنزله منازل الصديقين و الشهداء و أكرمه بجوار المصطفى صلى الله عليه و سلّم، و عظّم الله أجر أبنائه
و أهله و ذويه و محبّيه و كل من أصيب فيه و أحسن الله عزاءهم جميعاً.
و قد كان الشيخ رمزاً للعطاء و البذل و الجود و الإحسان في شتّى ميادين الخير مع تواضع جمّ و خلق رفيع و أدب راق،
فكان دوماً سنداً معيناً للجمعيات الخيرية و الدّعوية و الإصلاحية
و تحفيظ القرآن و كان أيضاً سنداً معيناً للأيامى و اليتامى
و الفقراء و المساكي، كما كان سنداً و معيناً للبرامج التنموية
و التوعوية.
فجزاه الله عنّا خير الجزاء و تقبل عمله و رفع ذكره،
و أقترح بأن يسمى المبنى المنشأ حالياُ في رواق المحافظة بمركز الثنيان الاجتماعي تخليداً لذكره الزكي و فضله و علوّ قدره.

نورا

ارجو من الله ان يغفر له ويرحمه يدخله فسيح جناته وان يجعل عمله فى ميزان حسناته
ويلهم الاهل الصبر والسلوان
ما شاء الله فقيدكم مشي علي نهج الصحابه الابرار بذلو كل غالي ونفيس في سبيل الله وتقربا من الله جزاه الله خيرا في الدارين بأذن الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *