♦ الملخص:
امرأة تذكر أن زوجَها قليل الكلام معها، ويقضي معظم وقته خارج المنزل مع أصدقائه، فبدأتْ تشعُر بالملل، وتسأل عن حلٍّ.
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أنا امرأة متزوجة منذ سنتين، تزوجت عن حبٍّ دام لسنوات قبل الزواج، أظن أن زوجي يحبني، وهذا يظهر في بعض التصرفات؛ مثل أنه يحترم أهلي، ويراعي تعبي في البيت وخارج البيت، مع العلم أن هذه هي طريقة تعامله مع كل الناس، وهذا ما يضعني في حيرة: أهو يحبني فعلًا أم يعاملني هكذا؛ لأن ذلك ديدنه مع الجميع؟
مشكلتي مع زوجي أنه قليل الحديث معي، وحتى إذا ما تحدثنا، فإن الأحاديث تكون مقتضبة سطحية، وكنت ألاحظ ذلك قبل الزواج، لكنني كنت أظن أن الوضع سيتغير بعد الزواج؛ إذ ستصبح لنا اهتمامات ومشاريع مشتركة لنناقشها، لكن الوضع لم يتغير بل ازداد، فكلما اختلقت موضوعًا للنقاش يخص مستقبلنا، أو قد يكون موضوعًا عامًّا، أو أحكي له شيئًا حصل معي – فإني أشعر بعدم اهتمامه بما أقول، ولا يتشارك معي أطراف الحديث، ولا يرد إلا ردودًا فاترة؛ مثل: “طيب.. ليست مشكلة.. إلخ”، كل همُّه أن يرقد في مكانه منشغلًا بمشاهدة الأفلام والفيديوهات، وما يزيدني حسرة أنه يحب الخروج والسهر مع أصحابه، فهل هذا يعني أنني مملَّة بالنسبة إليه؟ مع العلم أنني لا أستطيع السهر معه في تلك الأماكن الصاخبة؛ لأن تربيتي لا تسمح لي بذلك، أرجو توجيهكم وجزاكم الله خيرًا.
الجواب :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ: أنكِ متزوجة منذ سنتين بعد علاقة حب لعدة سنوات، وما أدري هل هذه العلاقة والحب بعد عقد النكاح أو قبله، فإن تكن قبله، فهذه معصية عليكِ أن تستغفري الله وتتوبي إليه من ذلك، وإن كانت بعد عقد النكاح، فهو زوجكِ ولا حرج، وتشتكين من قلة الحديث معه، وبيَّنتِ أنه يحترمكِ ويحترم رأيكِ، لكنه منشغل عنكِ في مشاهدة الأفلام والفيديوهات، ويحب السهر والخروج مع أصحابه في أماكن فيها صخب، لا تصلح لكِ – كما عبرتِ – لحسن تربيتكِ، وتطلبين مشاركة في حل هذه المشكلة.
أختي الكريمة، هنيئًا لكِ تربيتكِ الصالحة واستقامتكِ التي جعلتكِ تنكرين الأماكن التي فيها معصية لله، ولا تستطيعين البقاء فيها أو مشاركتهم في ذلك، وهذه نعمة من الله تعالى عليكِ؛ لذا فاثبتي على إيمانكِ وعقيدتكِ، واستقامتكِ وتربيتكِ الصالحة في منزل أهلكِ، وسَلِي الله الثبات على ذلك، وتعاهدي قلبكِ بالطاعات والقرآن والذكر؛ حتى يزداد صلاحًا بإذن الله تعالى.
واعلمي أن صلاحَ القلب صلاحٌ للجوارح كلها؛ فقد ورد من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلَحت صلَح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب))؛ [متفق عليه].
♦ العلاج بيدكِ بعد توفيق الله تعالى؛ فأنتِ أقرب إلى زوجكِ من أي أحد، وعشتِ معه أكثر من سنتين، فأنتِ تعرفين ماذا يحب، وماذا يكره، وما الأشياء الجاذبة له، والأشياء التي تُزعجه، مقابل ذلك تعرفين الأسلوب المحبب لديه منكِ في تعاملكِ وفي اهتمامكِ بنظافتكِ وأناقتكِ وطبخكِ وترتيب بيتكِ، وكثير من الشؤون الحياتية التي تعيشانها معًا.
لذا فإننا نوصيك بالآتي:
♦ حافظي بدايةً على أداء الفرائض لله تعالى، وأكثري من ذكر الله في البيت، فإن الذكر طارد للشياطين؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء))؛ [رواه مسلم]، فحافظي أنتِ على ذلك، وأوصي زوجكِ وأولادكِ بذلك.
♦ كوني مطيعة لزوجكِ في المعروف، وقد بيَّن القرآن والسنة أن للزوج حقًّا مؤكدًا على زوجته، فهي مأمورة بطاعته، وحسن معاشرته، وتقديم طاعته على طاعة أي أحد حتى الوالدين، بل هو جنتها ونارها، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]، ومن السنة ما رواه ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصَّنت فرجها، وأطاعت زوجها – قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتِ))؛ [صححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 660].
♦ اهتمي بمظهركِ أمام زوجكِ، وأشعريه بأن هذا التزين من أجله، وربما لا يكون معتادًا على ذلك، فهذه فرصة للتغيير وتجديد الحياة الزوجية.
♦ احرصي على الابتسامة في استقباله وتوديعه، وفي أثناء الجلوس معه، قد لا يهتم بداية بكِ ولا ترين ردة فعلٍ، استمري واصبري على ذلك، وسترين ردة فعل إيجابية مع مرور الزمن، والاستمرار على الأسلوب الجميل، وكذلك لا يسمع منكِ إلا الشكر والعرفان والدعاء له على ما يقدِّم لكِ ولبيتكِ من نفقة ومصاريف وغيرها، وكلما أحضر شيئًا، أو خرج بكم في نزهة أو رحلة أو زيارة أو مطعم – فزيدي في الشكر والثناء على ما قدم.
♦ إن استطعتِ أن تقدِّمي له هدية على فترات، أو وقت المناسبات التي تفرحه مثل ترقية أو عيد، أو مولود، أو فرحة له لأب أو أم – فإن كل ذلك يفرحه ويسره إذا شاركتِهِ تلك الفرحة.
♦ اهتمي بوالديه إن كانا على قيد الحياة، وكوني لهما البنت البارة المطيعة المهتمة بهما، وحُثيه على طاعتهما، فإن الرجل إذا رأى من زوجته الاهتمام بوالديه، زاد سروره واحترامه لزوجته.
♦ احرصي على حُسن تبعُّلكِ لزوجكِ، وأسعديه بما يحب فيما أحل الله تعالى.
♦ أثناء النقاش في أي موضوع يُطرح، يكون الحوار هادئًا دون عناد ولا مكابرة، ولا ذكر للمنِّ بالعطاء أو الخدمة التي قدِّمت من طرفكِ لزوجكِ، فالرجل لا يحب من زوجته أن تمنَّ عليه بما تعطيه أو تهدي له، محاولةً الإقناع بأساليب محببة ومقنعة لحصول الغرض برضا تام ويقدر له ذلك، وإن لم يحصل تقبل ذلك بصدر رحب، ويمكن أن يناقش الموضوع مرة أخرى في جو مريح وهادئ.
♦ تجنبي استخدام الجوال أثناء الجلوس معه، أو محادثته، قد يكون هو من يستخدم الجوال، اتركيه ولا تتحدثي معه في ترك الجوال، فقط حاولي أن تقدمي له اهتمامًا، وأشعريه بأنكِ تستمتعين بالحديث معه.
مع الوقت، سوف يخجل ويتفرغ للحديث معكِ ومؤانستكِ، فلا تستعجلي النتائج.
♦ احرصي على طعامه وشرابه، فلا يذوق من يدكِ إلا أطيب الطعام المحبب له، وفي وقته الذي يريده، مع التفنن في التنوع ليشعر بالفخر، فهو يفخر بذلك، وربما يتفاخر بذلك أمام زملائه في طبخكِ، وترتيبكِ، ونظافة بيتكِ.
♦ تحلَّي بالصبر والاحتساب؛ فإن الحياة تحتاج إلى صبر وتغافل ومداراة ومسامحة، وتنازل بين الزوجين، وتوِّجي ذلك بالدعاء الصادق، وبديمومة الاستقامة على الدين، والسعادة في الأسرة والبعد عن المعصية.
♦ لا تعطي الموضوع أكبر من حجمه، فالشيطان حريص على تضخيم المشكلة، ومحاولة عمل شرخ في العلاقة بينكِ وبين زوجكِ من هذا الباب.
فهذا موضوع بسيط، فقط اتبعي الإرشادات السابقة، وسترين التغير إلى الأفضل بإذن الله.
أسأل الله العلي القدير أن يديم عليكم السعادة والوئام، وأن يكفيكم كيد الشيطان.
وصلى الله على سيدنا محمد.