تغريدة كلينتون تكبد شركات الدواء الأمريكية 40 مليار دولار

الاحتجاج على ارتفاع نسبته 5 آلاف في المائة في أسعار أحد الأدوية أحدث هزة عميقة في القطاع الصيدلاني وبلور المخاوف حول ارتفاع تكاليف الأدوية في الولايات المتحدة. حتى إن شركات صناعة الأدوية تعترف بأن نماذج التسعير لديها ينبغي أن تتطور.

ربما كانت التغريدة الأكثر تكلفة في العالم. الرسالة المكونة من21 كلمة لهيلاري كلينتون يوم الإثنين قضت على أكثر من 40 مليار دولار من قيمة أسهم شركات المستحضرات الدوائية والتكنولوجيا الحيوية في الولايات المتحدة.

أبرز مرشحة للرئاسة عن الحزب الديمقراطي انتقدت “التلاعب بالأسعار” واصفة إياه بـ “الأمر الفاحش” من قبل بعض شركات صناعة الأدوية ووعدت بالعمل للقضاء على ذلك. كما أعلنت في اليوم التالي عن حزمة من التدابير بهدف كبح جماح “عمليات التربح” التي يقوم بها قطاع المستحضرات الصيدلانية.

تزامن تدخلها مع حدوث ضجة حول زيادة الأسعار بنسبة 5 آلاف في المائة المفروضة على دواء مضاد للالتهاب يستخدمه مرضى الإيدز والسرطان.

تدار إدارة الشركة – تورينج للمستحضرات الصيدلانية – من قبل مدير سابق لصندوق تحوط يبلغ من العمر 32 عاما وسريع الكلام، مارتين شكريلي، الذي أصبح على الفور الوجه غير الاعتذاري لصناعة متهمة بتفضيل الأرباح على الصحة العامة.

رد شكريلي على عاصفة الإعلام التي تلت ذلك بتغريدة ترتبط بأغنية لإيمينيم مليئة بالعبارات البذيئة، “أنا من أنا”، التي تحوي المقاطع التالية: “أنا متعب من الجميع، ولا أقصد أن أكون بخيلا. لكن كل ما باستطاعتي هو أن أكون على طبيعتي”.

دفعت قصة التغريدتين هذه أسعار العقاقير إلى مركز حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية وجعلت المستثمرين يهربون خوفا من حدوث اشتباك في واحدة من أكبر الصناعات في العالم وأكثرها ربحية.

وفي حين أن هذه الضجة هي علامة على التجاوزات الفريدة من نوعها لسوق العقاقير في الولايات المتحدة، إلا أنها تثير أيضا حوارا عالميا أوسع نطاقا حول تكلفة الأدوية.

بدءا من القيود المفروضة على علاجات مرض السرطان المكلفة في خدمات الصحة الوطنية التي تعاني من ضائقة مالية في بريطانيا، إلى الإصلاحات المتعلقة بطريقة توريد الأدوية في المستشفيات الصينية، تتعرض الصناعة للضغط في جميع أنحاء العالم في الوقت الذي تعترك فيه المجتمعات لاحتواء مسألة ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية للأشخاص المسنين والطبقات الاجتماعية الآخذة في النمو.

حتى وقت قريب، كانت الولايات المتحدة تبدو محصنة ضد مثل هذه القوى. كانت أسعار الأدوية آخذة في الارتفاع بمعدل سنوي لا يقل عن 10 في المائة منذ عام 2010 حتى وإن كانت في حالة ركود في أوروبا. يجري التشكيك في مدى استدامة هذا النمو في الوقت الذي تعمل فيه المواجهة بين كل من كلينتون وشكريلي على زيادة التدقيق حول سبب ارتفاع فاتورة الأدوية في أمريكا بشكل سريع.

صناعة الأدوية والتقنية الحيوية في أمريكا…استثمارات ضخمة وأرباح خيالية.

يقول بيتر باخ، مدير مركز السياسة الصحية والنتائج في مركز سلون كيتيرينج التذكاري للسرطان في نيويورك، إن النهج العدواني لشكريلي هو النتيجة الطبيعية لنظام الولايات المتحدة التي تسمح لشركات صناعة الأدوية دفع ما تتحمله السوق للمنتجات الأساسية لصحة الإنسان. “لقد عَلِق هذا الشخص في عاصفة قوية، لكنها كانت تختمر منذ فترة”.

سوق خارجة عن نطاق السيطرة؟

كانت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة منعزلة عن التسعير الخاضع للتنظيم وإمكانية الوصول المنتظمة للأسواق في البلدان المتقدمة الأخرى. وهذا جعل أمريكا المكان الأكثر ربحا لبيع الأدوية، التي تمثل نحو 40 المائة من المبيعات العالمية. ارتفع الإنفاق الأمريكي السنوي لكل فرد على المستحضرات الصيدلانية إلى الضعف تقريبا ما بين عامي 2000 و2012 إلى 1010 دولارات، مقارنة بالمتوسط البالغ 498 دولارا بين أعضاء المنظمة. ولذلك، فإن أي تحرك لكبح جماح السوق الأمريكية قد يؤثر في الصناعة بشكل كبير وجذري.

تشمل مقترحات كلينتون فتح الأسواق أمام الواردات الرخيصة القادمة من كندا، وتكليف شركات الأدوية بإنفاق الحد الأدنى من نسبة المبيعات على البحوث والتطوير والسماح للحكومة بالتفاوض بشأن الأسعار، التي يدفعها برنامج ميديكير للتأمين الصحي الخاص بالرعاية الطبية العامة.

أما الإجراء الأخير فقد كان يتعرض للمقاومة منذ سنوات من قبل شركات صناعة الأدوية وحلفائها من الحزب الجمهوري، الذين يخشون منحدرا زلقا نحو تقنين الرعاية الشائع في الأنظمة الصحية الأوروبية المجتمعية.

مع ذلك، يعتبر غياب نفوذ الحكومة على عملية تسعير الأدوية واحدا من الأسباب الرئيسية لقيام الأمريكيين بدفع الكثير جدا على أدويتهم أكثر من بقية العالم. تكون الأسعار الأمريكية عـــادة أعلى بنسبة 40-20 في المائة مما هي في أوروبا وأحيانا أعلى. حيث تبلغ تكلفة علاج السرطان جليفيك من “نوفارتيس” 106322 دولارا في السنة في الولايات المتحدة لكنها تبلغ فقط 31867 دولارا في المملكة المتحدة، وفقا للباحثين في جامعة ليفربول.

هل كل هذا على وشك أن يتغير؟ بدا هجوم كلينتون مدفوعا بشكل كبير بالحملات السياسية في الوقت الذي تخوض فيه معارك من أجل تحييد التهديد المفروض من قبل بيرني ساندرز، منافسها اليساري لترشيح الحزب الديمقراطي الذي كان قد وعد بالفعل باتخاذ إجراء بشأن مسألة أسعار الأدوية.

يصف أندرو باوم، المحلل لدى سيتي جروب، خطة كلينتون على أنها “خيالية أكثر من كونها مستقبلا”، مشيرا إلى أنه حتى لو كان قد تم انتخابها للبيت الأبيض العام المقبل، فإن التدابير قد تخفق إذا احتفظ الجمهوريون بسيطرتهم على الكونجرس.

مع ذلك، في حين أن من المستبعد إجراء إصلاحات جذرية في المدى القريب، يقول باوم إن جدل هذا الأسبوع يبين أن “الضغط السياسي على تسعير الأدوية في الولايات المتحدة مرتفع وسيستمر في الارتفاع”.

نمت التوترات المتعلقة بعملية التسعير منذ أكثر من سنة عندما أطلقت “جيلياد للعلوم” دواء يمثل فتحا في عالم الأدوية يسمى سوفالدي، يعالج معظم حالات التهاب الكبد الوبائي “ج” في غضون أسابيع – بتكلفة تصل 84 ألف دولار.

وقد شكل هذا ثقلا على شركات التأمين ومزودي الخدمات الصحية بسبب أعداد المصابين بهذا المرض البالغ عددهم 3.2 مليون في الولايات المتحدة. إنفاق برنامج ميديكير على التهاب الكبد الوبائي “ج” ارتفع بمعدل 15 مرة في عام 2014 عن مستواه في العام الماضي ليصل إلى 4.5 مليار دولار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *