روشتة وهم

من نهاية التسعينيات إلى منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة الميلادي، ركب كثير من الناس موجة التنمية البشرية وتطوير الذات..

لقد أُنتجت الآلاف من الكتب والمقاطع الصوتية والمرئية، بدءًا من كارنيجي وستيفن كوفي وانتوني روبنز، مروراً بالمدربين العرب السويدان والفقي والراشد والتكريتي وغيرهم كثير.

دع القلق، العادات السبع، لا تيأس، لا تحزن، السر، أيقظ قواك الخفية، حقق أهدافك، فجر طاقتك الكامنة، عناوين براقة، وعبارات رنانة، وأغلفة كتب جذابة تحمل بين دفتيها قصص مكررة، منها المبالغ فيها ومنها المكذوبة، وأيضاً الإشارة إلى دراسات وهمية لا أصل ولا وجود لها.

مدربون يحملون شهادات لدورات لا تعرف من أي الجامعات أو الجهات الأكاديمية قد حصلوا عليها.

يجيدون حبك الكلام وانتقاء الألفاظ والعزف على المشاعر، طريقتهم في الإلقاء رائعة، تأخذ المتلقي إلى زواياهم ومناطقهم، ومن ثم إعطاءه مسكنات وقتية لا يلبث قليلاً حتى يفيق على واقعه السيء.

من كتاب إلى كتاب ومن مقطع صوتي إلى آخر والمخدوعين من أولئك الباحثين عن سبل النجاح أو من يعاني من مشاكل نفسية، وصعوبات حياتية ، يدورون في حلقة مفرغة ينطلقون من نقطة البداية وينتهون في نقطة البداية أيضًا.

كثير ممن دخلوا هذه الدائرة لم يحرزوا أي نجاح أو تقدم أو حتى علاج لمشاكلهم، بل قبعوا في خندق شراء الكتب وسماع المقاطع وحضور الدورات الباهظة الثمن، ولم يكن النجاح إلا في جيوب هؤلاء المدربين وبائعي الوهم، لقد ارتقوا وصعدوا سلم النجاح على حساب جيوب وأوقات الموهومين بهذا العلم – إذا صح أن نطلق عليه مصطلح علم – .

وفي المقابل نجد أشخاصاً ممن يعيشون حولنا أو سمعنا بهم، قد تغلبوا على مصاعب الحياة وهزموا اليأس وقهروا الظروف الصعبة ونجحوا في حياتهم المادية والاجتماعية حتى الوظيفية، حتى الناجحين التي امتلأت قصصهم تلك الكتب و المحاضرات لم يثبت عنهم أنهم قرأوا كتاباً أو حضروا دورات لهؤلاء المدربين ، ولو قرأوا أو سمعوا لهم لتجدنهم في وحول الفشل والتردي ينتظرون من ينتشلهم.

من أراد النجاح والتقدم فلا ينتظر من يرسم له الطريق ويدله على مكامن قوته، فلا يعلم حالك وظروفك إلا أنت، استعن بالله، وانفض عنك غبار الكسل، وتوكل على الله، وابدأ مشروعك أو دراستك وسوف يكون التوفيق حليفك ورفيقك بإذن الله.

وأخيرًا أختم بعبارة قيمة قرأتها للإمام ابن القيم – بوجهة نظري تغنيك عن كثيراً من الكتب والدورات الفارغة – ..

قال الإمام ابن القيم رحمه الله
“وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأنَّ بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا همَّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلاً استراح طويلاً، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة، والله المستعان، ولا قوة إلا بالله.
وكلما كانت النفوس أشرف والهمة أعلى، كان تعب البدن أوفر، وحظه من الراحة أقل” .

 

حماد رازن الصحفي

مقالات سابقة للكاتب

16 تعليق على “روشتة وهم

توفيق الصحفي ابو فيصل

بوركت الانامل يا ابوجهاد ..كلام في الصميم ، هذه هي الحقيقة فعلا.. تحياتي لك

سليمان مُسلِم البلادي

مرحباً بالعزيز حماد رازن حرفاً نبيلاً وقلماً عزيزاً.

غير معروف

المطبلين هنا ذكروني بالمعممين عندما لعبوا في عقول الشيعه

باسم رازن الصحفي

لافُضّ فُوك ماشاء الله تبارك الله
حفظك الله يا ابو اياد

هارون المغربي

ما شاء الله تبارك الرحمن رزة اكاديمي

سامح أبو غسان

أحسنت أبا إياد فيما سطرت، قد أجدت وأفدت.

غير معروف

أخي ابو فيصل
أخي سلمان
مروركم و وقوفكم عند المقال اسعدني ….

غير معروف

جزاك الله خير ابوجهاد لقد لامست بمقالك هذا حال الكثير ممن يبيعون الوهم على الناس ويدعون الثقافة والعلم

أبو عز

مقال جميل 👌🏻👌🏻
‏سلم الفكر والقلم

محاسن المزروعي

تطوير الذات والايجابية في الحياة والعلاقات الاجتماعية والحث على التحلي بالصفات التي ترتقي بالنفس البشرية هو علم وقد تطرق القرآن الكريم والسنة النبوية لذلك في كثير من الآيات والأحاديث
قال تعالى..
” وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ” ( النساء 36 )
وفي هذا المعنى يرشدنا النبي – صلى الله عليه و سلم – إلى المحافظة على القوة ، والحرص على النافع ، والاستعانة بالله وعدم العجز والتواني في طريق العمل الإيجابي ،وتطوير الذات فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
” المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ماينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان” .
قد اتفق معك في أن الكتب الاجنبية مثل (العادات السبع لستيفن آر كوفي و فن اللامبالاة لمارك مانسون) وغيرها من الكتب الأجنبية المتخصصة في تطوير الذات لم تأتي بجديد. فديينا كامل مطور لذات البشرية ويحث على كل عمل يرتقي بها..
ما ينقصنا لتطوير ذواتنا هو من يفسر القرآن ويحلل ويوضح ويشرح مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم المحفزة والمطورة للذات وتوضبح مواقفه وكيفية تعامله مع أصحابه وأساليب التربية لديه صلى الله عليه وسلم مع الصغير والكبير والمتعلم والجاهل.وكيف تقدي به في ذلك.

غير معروف

مقال رئع

النمر الصريح

ماشاء الله كاتب مميز ومتمكن الله يوفقك ويكثر من امثالك

منصور

أول مرة اتفق معك بكل حرف يا أبو إياد الغالي 😅

أبوعابد

بورك فيك
قلت ما في نفسي
باعوا علينا الوهم بقصص خيالية وأحلام وردية
سوق راجت فترة من الزمن
لكن الآن انصرف عنها الناس وبدأت بالكساد

ثناء الحكيم

مشاءالله منطق وعقل
جعل التوفيق حليفك

عبدالعزيز بن مبروك الصحفي

الأستاذ الفاضل حماد رازن الصحفي
يقول الله سبحانه وتعالى({اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5]).
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ.

لذا فإن طلب العلم موصى به في ديننا الحنيف، وعلوم التنمية البشرية التي أشرت إلى بعضها لم تأتي من فراغ إنما بعضها هو زبدة بعض العلوم الأكاديمية صاغها الكاتب أو المدرب بطريقة مبسطه لتكون مفهومة لدى جميع المستويات.
أوافقك الرأي أن الكثير من المدربين ليسوا مؤهلين لنقل هذه العلوم بطريقة صحيحة، وهذا ليس عيبًا في العلم ذاته وإنما عيبًا قي المدربين الناقلين وخاصة الذين ليس لديهم أرضية ومرجعية صحيحة تتفق مع النقل الصحيح والعقل الصريح والفطرة السليمة.
هذا لا يجعلنا نلغي أهمية علوم تطوير الذات ونصفها بالوهم، وإنما علينا أن نرجع إلى الأصل وهو الدين، طالما أن الدين الإسلامي حثنا على العلم ولم يحدد علمًا بذاته فإن الباب مفتوح لمن أراد أن يتعلم طالما أن ذلك العلم لا يتعارض مع الدين والفطرة السليمة.
سأتطرق إلى عادتين من كتاب العادات السبع للدكتور ستيفن كوفي.
العادة الأولى تقول ( كن مبادرًا)، لنجد أن فيها توافق مع الدين الإسلامي، حيث قال تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ (23)فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) سورة القصص.
فإن موسى عليه السلام بادر بالسؤال والعمل، لأن الهدف من سؤاله هو تقديم العون.
العادة الثانية(إبدأ والنهاية في ذهنك)، وهذه أيضًا لها ما يوافقها قي الدين الإسلامي. قال تعالى:
(قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ) سورة يوسف الآية 47. فهنا نجد أن الزراعة هي البداية، وإنما النهاية ليست أكل كل ما تمت زراعته بل النهاية معروفة وهي تخزينه إلا قليل مما يحتاجون إليه لطعامهم.
وقال تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) الآية 77 سورة القصص. فإن جميع الأعمال الهدف من نهايتها هو إبتغاء الأخرة. أي البدء بها والنهاية معروفة.
وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ). وهذا أيضًا دليل على البدء والنهاية في الذهن.

أرجوا الإطلاع مشكورًا على مقالي في هذا الشأن في الرابط أدناه، مع إحترامي وتقديري لك.

https://ghrannews.com/206572/?hilite=%27%D8
%B3%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A9%27%2C%27%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%A9%27

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *