أصبح الحوار حاضراً في كثير من مجالسنا وهذه ظاهرة جيدة ، وأعني بها ظاهرة الحوار البناء الذي يثري العقول ويزيد الرصيد المعرفي لدى المتحاورين ، وهو فاكهة المجلس الذي يبتعد به المرء من الوقوع في أعراض الناس والخوض في سفاسف الأمور ، وهو أيضاً أفضل من الصمت الذي يخيم على بعض المجالس والعكوف على شاشة الجوال ليحول تلك المجالس إلى مايشبه العزاء فترى القوم صامتين خاشعين ليس بالذكر والتسبيح ولكن بالتنقل في مواقع التواصل الإجتماعية حتى تحودبت الظهور .
ويبقى الحوار هو البديل الأمثل والأنفع مما تزدان به المجالس ، ولكن هناك مبادئ للحوار المفيد مثل ذلك الحوار لأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام مع ربه ، والذي لا يخفى على الصغير قبل الكبير حين طلب من ربه أن يريه كيف يُحيي الموتى ، و الذي يحمل في طياته طلب الإزدياد من المعرفة بالسؤال والنقاش ، والقرآن الكريم والسنة النبوية مليئة بمواقف للحوار يتجلى من خلالها الهدي الصحيح في آداب الحوار .
والأهم في الحوار هو تقبل الأفكار الجديدة وعدم التعصب للرأي ، واحترام وجهات نظر الآخرين وإن كانت مخالفة لرأينا انطلاقاً من أن الله سبحانه وتعالى خلق البشر متفاوتين في الأفكار كما هم متفاوتين في الأشكال والألوان .
والحوار يختلف عن التلقين الذي هو أسوأ أنواع التزود بالمعرفة ، لأنه يجعل العقل عقيم لا يستطيع أن يبتكر أو يحلل أو يستنتج ، كما أن التلقين و التمسك بوجهة النظر وجهان لعملة واحدة ، فدوماً أترك التجارب تبرهن عن الأفضل ، واترك مساحة لفكرك لكي يستنتج الأفضل مع الإستفادة من تجارب الآخرين و تبدأ من حيث انتهى الآخرون ، ولا تكرر أخطاء الآخرين باستخدام أفكارهم .
بالأمس كانت هناك بادرة للجنة التنمية الإجتماعية الأهلية بغران بأخذ زمام السبق بملتقى يضم شباب الحي في مركز الحي بعنوان ( المحاور المحترف وفنون طرح الأسئلة ) ، وهذا هو ما نحتاج إليه لتوعية شبابنا وإعطائهم مفاتيح التميز وتحصينهم ضد الفكر الضال وإكسابهم مهارات تنمي قدراتهم العقلية وتوجههم التوجيه الصحيح ، فأبنائنا يحتاجون لكثير من هذه الورش لقضاء أوقات فراغهم في المفيد والنافع .
وليكن هدفنا من الحوار دائماً هو الوصول للحقيقة وتوضيح وجهات النظر المتعددة للإطلاع على جوانب أخرى لم نكن نراها أو لم تكن ظاهرة للطرف الآخر ، ليتعرف كل منا على جوانب أخرى للموضوع لم يكن على دراية بها ، وبالتالي يزيد من رصيده المعرفي وربما نتيجة لذلك يغير وجهة نظره التي كان يتبناها قبل أن تتضح له أمور مختلفة لم يكن ليعرفها لولا الحوار البناء والإستماع للآخرين.
ولا يكن همك هو الإنتصار والفوز على الخصم ، فمجالس الحوار تختلف عن ملاعب الكرة ، فالحوار هو تعاون وليس تنافس .. تفاهم وليس تخاصم ..
وأخيراً .. تذكر أن من حولك ليسوا شياطيناً في تفكيرهم ، وأنك لست ملاكاً معصوماً من الخطأ ، وليس الجديد أو التجديد فعلاً خاطئاً على الإطلاق .
أ. خالد المرامحي
مقالات سابقة للكاتب