لو سمحت… لا تمد يدك !!

     كنا في زمن مضى نتسابق للهرب من طريق معلمينا في حال نمى إلى علمنا أن أحدهم سيمر من هذا الطريق سيراً على الأقدام أو بسيارته ، فتضيع علينا عصرية كنا نعد لها من بداية اليوم المدرسي لركل الكرة والمشاغبة البريئة لنسيان هموم اليوم التالي للعودة للمدرسة.

     كانوا قساة يحملون العصا ويهوون بها على أكفنا الصغيرة الغضة لأتفه الأسباب ، وكنا نشعر بأننا محظوظين إذا مر اليوم الدراسي دون أن نتذوق قليلاً من الضرب.

    كان الآباء (رحم الله الأحياء منهم والأموات) لا يبالون كثيراً بذلك فهم يعطون المدرس تفويضاً مفتوحاً وصلاحية مطلقة لتربية وتعليم الابن (لكم اللحم ولنا العظم).

    كان المعلمون يجتهدون في التعليم بكل الوسائل ترغيباً وترهيباً ، ومن أشهر وسائلهم الضرب على القدمين (الفلكة) ولم يكن أحدنا ليجرؤ على إخبار أهله بما حصل له من تكريم!!

     جالت في خاطري هذه الكلمات وسرت في بالي سيراً حثيثاً وأنا أرمق حال ذلك الزميل الذي ألقى بجسمه منهكاً ومضرجاً بدماء وكدمات أحاطت بجسمه إحاطة السوار بالمعصم ، عندما هاجمه قطيع من الصناديد ذوو الأجسام المليئة بالأوهام ، والخالية من الأفهام ، وأردوه جسداً لا حراك به يتأوه من ضرب سياط طلاب جاحدون للمعروف مفتقدون للتربية (أجسام البغال وأحلام العصافير) ، فهو يكابد ألم الجسد وألم الجحود والنكران (بطل قصتنا مدرب في التعليم العالي التقني بالخرج) .

     ما الذي صيرنا إلى هذا المستوى المتدني في العلاقة العلمية بين المعلم والمتعلم ، لا ننكر أن من بين المعلمين من لا يستحق الوقوف أمام المتعلم بأي صورة من الصور ، فهو مسترزق أكثر منه مربي ومعلم (وهم أقلية على كل حال) ، فيسيء التصرف قولاً وعملاً من خلال تعامله الفض مع المتعلمين ، ومع الأسف فإنه يسيء إلى جميع المعلمين.

     لكن الغالب الأعم هم من المعلمين الذين يبذلون من وقتهم وجهدهم الكثير للتربية والتعليم ويحملون همَ تربية جيل من الطلاب الذين يحملون هم مستقبل هذه الأمة ، ومع ذلك فهم يتعرضون بشكل سيء لسيل من التعاميم الورقية التي تهدد وتزبد وترعد من التحذير من الضرب وحمل العصا في المدرسة ، فأصبح المعلم كالحمل الوديع ، الذي لا يأمن على نفسه أو سيارته من الضرب والتكسير .

     إن إدارات التربية والتعليم ومن قبلها وزارة التعليم تتحمل وزر اختلال هذه العلاقة وذهاب هيبة المعلم ، وضياع الكثير من فرص فرض الأخلاق والإنضباط في مدارسنا في التعليم الأساسي ، أي بني… لو سمحت لا تمد يدك !

محمد بن سعيد الصحفي – محاضر بالكلية التقنية بجدة

 

مقالات سابقة للكاتب

4 تعليق على “لو سمحت… لا تمد يدك !!

almaghrabidist

ذاك زمان وهذا زمان

عبدالله الصبحي

وزارة التعليم هي من ضيع مهابة المعلم بقراراتها العشوائية
والضحية هو الطالب يتخرج من الجامعة وهو نصف أمي
أيام زمان ؛ان خريج سادس ابتدائي يعين معلم يدرس الطلاب
آخ يا زمن

محمد آبوفهد

كويس إذا قال إذا سمحت :)
صاروا يقولون لا تضرب الضرب ممنوع

أبوسعود

(إن إدارات التربية والتعليم ومن قبلها وزارة التعليم تتحمل وزر اختلال هذه العلاقة وذهاب هيبة المعلم ، وضياع الكثير من فرص فرض الأخلاق والإنضباط في مدارسنا في التعليم الأساسي)
هذا الكلام
شكراً أبوعمر لكن من يقرأ ومن يسمع؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *