بينما كنت أقرأ كتاب ( العالم مسطح ) لمؤلفه Thomas L. Friedman توماس إل فريدمان في نسخته الإنجليزية لأنه كان مقرراً من ضمن المنهج الجامعي مررت بهذا القول :
“في كل صباح في أفريقيا يصحو غزالاً وهو يعرف بأن عليه أن يجري أسرع من أسرع أسد وإلا فإنه سوف يُقتل ، وفي كل صباح يصحو أسداً وهو يعرف بأن عليه أن يتفوق في جريه على أبطأ غزال وإلا فإنه سوف يموت جوعاً ، لا يهم إن كنت غزالاً أو أسداً ، فعندما تشرق الشمس فمن الأفضل أن تبدأ بالجري“.
في طيات الكتاب يتحدث الكاتب عن التطور العلمي والتقني الهائل الذي بدأ في القرن العشرين وزاد تطوره تسارعاً في بدايات القرن الحادي والعشرين ولازال ، مما جعل العالم يبدو وكأنه قطعة صغيرة مسطحة يمكن معرفة جميع محتوياتها بكل سهولة ويسر ، ويتحدث الكاتب عن الطريقة التي تداخلت بها المعلومات والصناعات والأعمال التجارية والإقتصاد العالمي ومعظم نواحي الحياة حتى أصبحت كلها وكأنها تحدث في مكان واحد ، ويجتهد “فريدمان” في كتابه إلى دعوة الجيل الجديد في المجتمع الأمريكي إلى تنمية قدراتهم التخيلية وإطلاق العنان لأحلامهم وخيالاتهم إلى أقصى حد ممكن ، لما للتخيل من أهمية قصوى في تطوير تفكير الفرد وزيادة الإبداع بما يعود أثره على بناء الأوطان وتطورها ومعها يتطور كل شيء في الحياة ، وهو في مطلبه هذا يلمح إلى ما قاله إلبرت أينشتاين صاحب النظرية النسبية “إن الخيال أهم من المعرفة” ، كما يدعوهم في الكتاب أيضاً إلى الحد من الإعتماد على المنتجات البترولية والتفكير جدياً في إيجاد البديل والذي يسميه “الطاقة الخضراء” ملفتاً إنتباههم إلى الإستفادة من الموارد الطبيعية الكبيرة المتوفرة فيما حولهم ويقصد بها الرياح ، أشعة الشمس ، وجريان المياه أو حركتها ، وهي أيضاً دعوة موجهة إلى كل البلدان التي لا تمتلك موارد طبيعية معدنية أو بترولية .
هنا ينتهي كلام “فريدمان” الذي نقلته عنه بتصرف شديد ، وفي نفس الوقت أيضاً يدق جرس الإنذار المبكر لينبهنا بأن ننظر إلى العالم من حولنا بطريقة مبتكرة وإبداعية.
فإنه ومن الطبيعي جداً إذا تحرك العالم المستخدم للطاقة البترولية للبحث عن مصادر أخرى للطاقة واستطاع أن ينتجها ويستخدمها بكفاءة عالية وبأسعار معقولة ، فمن الأولى للدول المنتجة للطاقة البترولية هي بدورها أن تبحث أيضاً عن مصادر أخرى للطاقة أو التفنن في إختراع الأدوات والآلات الجديدة التي تعتمد في تشغيلها على الطاقة البترولية بصورة رئيسية لإبقاء الطلب على المنتجات البترولية مرتفعاً ، وإن لم تفعل ذلك فإنه بالتأكيد سيقل الطلب على المنتجات البترولية وبالتالي ستنخفض أسعارها ومعها يتغير كل شيء في حياتنا.
نعود إلى الغزال والأسد ، فكم من غزال وكم من أسد في عالمنا الخاص وفي العالم المحيط بنا يصحو من نومه وهو محملاً بالكسل والخمول وعدم الرغبة في النهوض أو حتى المشي فقط وليس الجري سريعاً ، وكم من أسد أو غزال لم يُعر تسطح العالم من حوله أي إنتباه واقتصر إهتمامه بالتقنيات الحديثة على حد الإستخدام (السيء) فضلاً عن الإستخدام النافع أو التفكير في تطويرها ، وكم من غزال أو أسد صحى من نومه صباحاً ولم يعد له الرغبة إلا في التلقي والتلقين والتقليد للسيء أكثر من التقليد للنافع مهملاً فضيلة الإجتهاد والإبتكار ، والبحث والتنقيب عما يطور به قدراته ومهاراته ليكون أسرع من أسرع أسد أو أسرع من أبطأ غزال.
هذا جرس إنذار صغير مني إلى الأباء والأمهات والمدرسين والمسؤولين لإيقاظ الغزلان والأسود الرابضة في البيوت والمدارس والإدارات لدفعها للنهوض والبدء في الجري عند مطلع كل يوم تشرق فيه الشمس .
الجملة التي وردت في الكتاب :
“Every morning in Africa, a gazelle wakes up, it knows it must outrun the fastest lion or it will be killed. Every morning in Africa, a lion wakes up. It knows it must run faster than the slowest gazelle, or it will starve. It doesn’t matter whether you’re the lion or a gazelle-when the sun comes up, you’d better be running.”
ملاحظة :
تُرجم الكتاب إلى اللغة العربية بواسطة عمر الأيوبي في 511 صفحة ونشر عام 2006 م عن طريق دار الكتاب العربي ببيروت.
عبدالعزيز بن مبروك الصحفي
مقالات سابقة للكاتب